خليفة بطرس المنتظَر: راعٍ حكيم في زمن التحوّلات - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
خليفة بطرس المنتظَر: راعٍ حكيم في زمن التحوّلات - تكنو بلس, اليوم الجمعة 9 مايو 2025 06:21 صباحاً

المطران رفيق الورشا *

انعقد أوّل من أمس الأربعاء 7 أيار 2025 كونكلاف الكرادلة الناخبين البالغ عددهم 133، بعد عدّة اجتماعات قام بها جميع الكرادلة، لتقييم واقع الكنيسة الجامعة وما يحدث في العالم، تحت أنوار الروح القدس، لكي يحدّدوا ما ينتظر البابا الجديد بعد الإرث العريق الذي تركه البابوات الأسبقون، وكان آخرهم البابا فرنسيس، الذي طبع الكنيسة والعالم ببصماته، بحيث نفح فيها جوًّا من الأخوّة الإنسانية وبثّ ذهنية العدالة الاجتماعية والسلام. ها نحن نرانا اليوم أمام انتظارات وتطلّعات كثيرة إلى أفق مستقبل الكنيسة طارحين أسئلة مختلفة واردة على لسان كثيرين: "مَن سيكون البابا الجديد؟ كيف يجب أن تكونَ ملامحُه؟ وما هي مواصفاتُه؟..."

سأتوقّف في بعض الأسطر التي تلي، عند بعض المواصفات الجوهرية التي يجب أن يتحلّى بها البابا الجديد في مرحلة دقيقة من تاريخ الكنيسة والبشرية في ضوء ثوابتَ كنسية مستنارة بكلمة الله.

عندما سأل الربُّ يسوع بطرس بعد قيامته من بين الأموات يا سمعانُ بن يونا أتحبُّني ثلاثَ مرّات وأجابه بطرس بـ"النعم"، كان جوابُ يسوع "إرع َخرافي" (يوحنا 21: 15)؛ وكأنَّ خليفةَ بطرس يجب أن يتحلّى قبل كلّ شيء بمحبة عميقة للمعلّم الإلهي يسوع، راعي الرعاة، كشرط جوهري للرعاية. تلك الرعاية القائمة على المحبة ليسوع تجعلُها مثمرةً ومُشعّة على الرغم من الغيوم التي تعترضُها. فالرعاية بحسب المعلّم الإلهي في إنجيل يوحنا الفصل العاشر تتطلّب السهرَ الدائم على القطيع على ألّا تتسلّل إليه الذئاب الخاطفة التي تحاول أن تضلّل الخراف فتستميلها إلى عالمها. 

هذا الأساسُ الجوهريّ، أي محبّة يسوع، أعتبرُه ضروريًّا للبابا الجديد، خليفةِ بطرس، نائبِ المسيح على الأرض؛ يسهرُ على الكنيسة الجامعة في عالمٍ مليء بالتحديات، بالذئاب التي تحاول أن تفترس قطيعَه كالبدع والمُغرضين ومحاربي الكنيسة، متّخذةً عدّة أساليب؛ أولئك هم مَن حذّرنا منهم السيدُ المسيح عندما قال: "احترزوا من الأنبياءِ الكذبة الذين يأتونكم بثياب الحملان ولكنّهم من الداخل ذئابٌ خاطفة!" (متى 7: 15). فهدفُهم شرذمة الكنيسة وتضليلُها. ما يعني أنّ الحبرَ الأعظم البابا الجديد هو مَن تكون عيناه شاخصتَين إلى المسيح الذي دعاه وإلى الكنيسة التي هو خادمٌ لها. ينظر إلى المسيح بعين الثقة وهو قائدُ السفينة – الكنيسة موقناً أنّه هو مَن يأمرُ الرياح والعواصف أن تهدأ فتسكن وتسكت. كما وينبغي أيضاً أن تكون عيناه شاخصتين إلى الخراف، يُصغي إليهم، يسمعُ أصواتهم، يعرفُهم. يهتمّ بتطلعاتهم  وحاجاتهم ومشاكلهم؛ راعياً حكيماً، مُنصتًا، مُصغياً، عارفاً عن كَثَب حقيقةَ ما يجري للخراف.

كما وأنّ البابا الجديد مدعوٌّ، في الزمن الآتي، أن يواجهَ ما يُطلّ على العالم من ظواهر أخلاقية منحرفة: ففي مجتمعات ودول تدّعي أنّها متقدّمة، وتحت راية العلم والاكتشافات السريعة، تنهارُ القيم وتنحرف! انطلاقاً من هذا المُعطى، ينتظر الحبرَ الأعظم الجديد اعادةُ النظر في تحديد القيم الموضوعية المستنارة من كلمة الله والتقليد الكنسي الحيّ. كلّ ذلك هو نتيجة "نسبية أخلاقية مخيفة"، تخرج من إطار المعايير الأدبية الموضوعية، فتُلقي زؤان الانقسامات في داخل الكنيسة، ما يُلزِم خليفةَ بطرس الآتي العمل على تنقيتها بُغية توطيد روح الوحدة والمحبة.

أما على الصعيد العالمي، فهناك تحدياتٌ جمّة لا يمكن التغافل عنها، وهي الحروب الدائرة في عدّة بلدان في انحاء العالم، وما ينتج عنها من عواقبَ وخيمة على البشر والحجر. كم وكم من الضحايا البريئة، أطفالًا ونساءً وعائلات، يموتون، يُشرَّدون، يُهجّرون، يُخطفون من جرّاء الحروب والويلات والنزاعات والصراعات! لا يغيبنّ عن بالنا ما يحدث في الشّرق الأوسط من حروب وصراعات، وما ينتج عنها من تهجير للناس وبنوع خاصّ للمسيحيين منهم؟ ايُعقل أن يتضاءلَ عددُ المسيحيين سنة بعد سنة، حيث هي أرض مهدهم وبدايات انطلاقتهم؟ أوَما ينبغي أن يكون هذا الملفُّ الشائك والدقيق من الأولويّات على بِساط البحث لدى البابا الجديد؟ أوَليس البابا هو مَن يجب ان يكون صوتَ الضمير في قلب عالم مُظلم طغت عليه لغة النار والإرهاب والسلاح والعنف والعدائية؟ فما أحوجنا إليه أن يكون رجلَ حوار، منفتحاً على بناء علاقات مع عوالم دينية وثقافية متنوّعة؛ يسعى مع معاونيه من خلال الديبلوماسية والتفاوض أن يسكِّتَ كلَّ أنواع العنف التي تنتشر في كلّ أنحاء العالم. 

بكلمةٍ واحدة، على البابا الجديد أن يتّسم بملامحَ شخصية راعوية؛ صاحبَ رؤية قادرة على إقامة جسور حوار وتفاهم مع ثقافات وأديان شتّى؛ يحافظُ على الإرث الذي أخذه عن أسلافه؛ يميّز ما هي إرادة الله، يقرأ علامات الأزمنة بروح نبويّة شجاعة! يدحض كلَّ قوّة شرّيرة تعترض الكنيسة والعالم متعزّيًا بما قاله يسوع لبطرس في قيصرية فيليبس: "انت الصخرةُ وعلى هذه الصخرةِ سأبني كنيستي وأبوابُ الجحيم لن تقوى عليها" (متى16: 18).

إضافة إلى ما يقدّمه خليفةُ بطرس الجديد للعالم وللكنيسة بوضع بصماته الخاصّة به، هو مؤتمن أيضاً على متابعة ما باشر به قبله البابا الراحل فرنسيس. أذكرُ من بينها على سبيل المثال لا الحصر الأعمال السينودوسية والذهاب بها أكثر فأكثر إلى حيّز التنفيذ بروح الشّركة والمشاركة والرسالة.

لنواصل الصلاة، مستلهمين الروح القدس الذي يقود الكنيسة، لكي يعملَ في قلوب الكرادلة المنتخِبين، فيتعالَوا عن الحسابات البشرية الضيّقة، ويأتوا ببابا جديد على وفقِ قلب الله، يفني ما تبقّى من عمره في خدمة شعبه، جسدِ المسيح السّرّي، آمين. 

*المعتمد البطريركي الماروني لدى الكرسي الرسولي في روما

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق