رؤية شخصية: ما الذي تحتاجه الكنيسة والعالم في البابا المقبل؟ - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
رؤية شخصية: ما الذي تحتاجه الكنيسة والعالم في البابا المقبل؟ - تكنو بلس, اليوم الجمعة 9 مايو 2025 06:21 صباحاً

المطران ألدو بيراردي*

في وقت كتابة هذه السطور، ينتظر العالم بترقب عميق انتخاب البابا المقبل، الحبر الأعظم للكنيسة الكاثوليكية. ومع استعداد مجمع الكرادلة لدخول المجمع المغلق في روما، يتابع الكاثوليك في جميع أنحاء العالم هذا الحدث بخشوع وترقب، متلهفين لسماع الكلمات الخالدة التي تتردد عبر القرون: "أبيموس بابام!" — "لدينا بابا!". 

لكن، بعيداً من لحظة تصاعد الدخان الأبيض وإعلان البهجة، نحن مدعوون الى التفكير - ليس في من سيتم انتخابه فحسب، أو من أين أتى، أو ما هو توجهه اللاهوتي - بل في سؤال أعمق: ما نوع البابا الذي تحتاجه الكنيسة في هذا المنعطف الحاسم من التاريخ؟

بصفتي مبشراً دينياً قضيت سنوات عديدة في خدمة الرسالة في العالم العربي، والآن بصفتي مطراناً والنائب الرسولي لشمال الجزيرة العربية، أقدم هذه الرؤية الشخصية حول نوعية البابا الذي يحتاجه العالم والكنيسة اليوم. من المهم منذ البداية التأكيد على أن لا بابا "أفضل" من آخر، فكل بابا هو هدية للكنيسة، لا يتم اختياره من طريق المصادفة، بل بالعناية الإلهية، استجابةً لعلامات العصر واحتياجاته.

عندما انتُخب خورخي ماريو بيرغوليو بابا في عام 2013، فوجئ العالم باختيار راهب يسوعي متواضع من بوينس آيرس، اتخذ اسم فرنسيس. لم يكتفِ البابا فرنسيس بتسلُّم المنصب البابوي، بل أعاد تعريف طبيعته. جاء بصوت من الأطراف، ورائحة الخراف، وقلب مشبع برقة الإنجيل الجذرية. ومنذ تلك الليلة، سارت الكنيسة على طريق يتّسم بالرحمة، والحوار، والبساطة.

فما الذي يمكن أن نتوقعه من البابا المقبل؟ هل يسير على خطى البابا فرنسيس، مواصلاً المسيرة نفسها؟ ما نوع القيادة التي تحتاجها الكنيسة في السنوات المقبلة، كمؤسسة عالمية وكجسد المسيح الظاهر في عالم معقد على نحو متزايد؟

في تقديري المتواضع، يجب أن يكون خليفة القديس بطرس الـ 267 رجلاً بشخصية استثنائية، لكنه متواضع كمن سبقه. في زمن يتسم بالتعقيد وعدم اليقين، تحتاج الكنيسة إلى قائد لا تكمن قوته في السيطرة، بل في أمانته العميقة للمسيح. يجب أن يكون متجذراً في تقاليد الكنيسة المجيدة - في تعاليمها الغنية، وحياتها الأسرارية، وتراثها الروحي، وفنونها الجميلة - ومع ذلك يمتلك الشجاعة لإجراء الإصلاحات عند الحاجة، وهو مرتكز دائماً على ركيزتي الحقيقة والمحبة. البابا المقبل يجب أن يجسد الاستمرارية من دون جمود، والانفتاح من دون تنازل.

بابا هو، قبل كل شيء، محب لله. يجب أن تنبع قراراته، وكلماته، وصمته من علاقة حميمة مع الرب. ينبغي أن تكون حياته الروحية مرئية لا من خلال المظاهر، بل من خلال الصدق، رجل يجثو أمام الله حتى يستطيع أن يقف أمام العالم بنعمة وقناعة.

بابا هو تلميذ حقيقي للمسيح. عليه أن يتبع يسوع ليس في التعليم فحسب، بل في أسلوب الحياة، متسمًا بالرحمة، والشجاعة، والطاعة لإرادة الله الآب. ينبغي أن يكون مثاله دافعاً للآخرين للاقتراب من شخص يسوع، وليس من مؤسسة فحسب.

بابا هو خليفة القديس بطرس في التقليد والشهادة. يجب أن يصون وديعة الإيمان باحترام، ويُبشّر بالإنجيل بوضوح، ويكون علامة مرئية للوحدة. مثل بطرس، يجب أن يكون مستعداً للبكاء، وللتوبة، ولأن يُصقل بالتواضع، ومع ذلك يقوي إخوته وأخواته في الإيمان.

بابا هو صوت للسلام والعدالة. في عالم جُرح بالحروب والانقسامات وعدم المساواة، يجب أن يتحدث البابا بسلطة أخلاقية، مدافعًا عن قدسية الحياة، ورافضاً للعنف، ومدافعاً عن الحرية، ومنتصراً للمستضعفين. يجب أن يحمل قيادته نور الإنجيل إلى أحلك زوايا المعاناة البشرية.

بابا يهتم بالفقراء والمهمشين. متتبعًا مثال المسيح، لا ينبغي له التحدث عن الفقراء فحسب، بل أن يعيش في تضامن معهم. ينبغي أن يكون قلبه منتبهاً للمنسيين - المهاجرين واللاجئين والسجناء وكبار السن والأجنة - ويذكّر العالم بكرامتهم.

بابا منفتح على الحوار بين الأديان ومؤمن بالتعايش السلمي. في عالمنا المعولم والممزق في كثير من الأحيان، يجب أن يكون باني جسور. ينبغي أن يكون قادراً على مد اليد الى زعماء الديانات الأخرى، معززاً الاحترام المتبادل، وعاملاً من أجل السلام، لا عن طريق التخفيف من الحقيقة، بل عيشها بشجاعة وتواضع في حوار مع الآخرين.

لقد شهدنا هذه الروح الحوارية بشكل مباشر خلال الزيارة التاريخية التي قام بها البابا فرنسيس إلى البحرين في عام 2022 للمشاركة في "منتدى البحرين للحوار". كانت لحظة ذات دلالة عميقة، ليس للمجتمع الكاثوليكي في المنطقة فحسب، بل للعالم أجمع. لقد وقف الأب الأقدس جنباً إلى جنب مع قادة مسلمين ودينيين، داعياً إلى السلام، والفهم المتبادل، ورفض التطرف. لقد كان حضوره أبلغ من أي خطاب: إن الكنيسة ليست منغلقة على ذاتها، بل تسير مع الآخرين بحثاً عن أرضية مشتركة من أجل إنسانية واحدة. لقد أكد ذلك اللقاء أن الحوار بين الأديان ليس مجاملة ديبلوماسية، بل هو واجب إنجيلي في عصرنا.

تنتظر البابا الآتي تحديات كثيرة، ولن تكون مهمته سهلة. فالعالم الذي سيرثه يتسم بالاستقطاب العميق، داخل الكنيسة وخارجها. وسيواجه تصاعد العلمانية، وجروح الفضائح الماضية، وصرخة الناس من أجل الشفافية والصدقية، وتوق الشباب إلى الأصالة والمعنى. وسيتعين عليه التعامل مع التفاوتات العالمية، وأزمات الهجرة، والحروب التي يغذيها الحقد، والطوارئ البيئية التي تهدد بيتنا المشترك. وفي داخل الكنيسة، سيكون عليه أن يوازن بدقة بين الأمانة للعقيدة والرعاية الراعوية للنفوس، وبين الحفاظ على الوحدة واحتضان التنوع المشروع.

سيحمل على كتفيه ثقل التطلعات، من الكاثوليك الذين يتوقون إلى التجديد، ومن العالم الباحث عن الوضوح الأخلاقي، ومن إنسانية متألمة بحاجة إلى الأمل. مع ذلك، نؤمن بأن الله سيكون مرشده وملهمه منذ اللحظة التي يطل فيها من شرفة كاتدرائية القديس بطرس. لن يسير وحده، فالروح نفسها التي قادت بطرس إلى روما، والتي دعمت الكنيسة عبر قرون من المحن والانتصارات، ستكون معه. ومن خلال شهادته، ستستمر الكنيسة منارة للنور وسط ظلال زمننا.

* من رهبنة الثالوث الأقدس – المنامة، البحرين

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق