مصر تغطي 91% من احتياجاتها الدوائية محليًا ولكن…

فيما صرح الدكتور علي عوف، رئيس شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية، أن الصناعة المحلية في مصر تغطي نحو 91% من احتياجات السوق من حيث عدد عبوات الأدوية، بينما لا تتجاوز نسبة التغطية 85% من حيث القيمة المالية. ويُعزى هذا الفارق إلى الاعتماد على استيراد أدوية عالية التقنية مرتفعة الثمن بالكامل من الخارج، ما يستهلك كميات كبيرة من العملة الصعبة.

توجيهات رئاسية بتوطين الأدوية عالية التقنية

وأضاف عوف، استجابة لتلك الفجوة، أصدرت القيادة السياسية في عام 2014 توجيهات واضحة بسرعة توطين إنتاج الأدوية الحيوية عالية التقنية داخل مصر، وعلى رأسها أدوية الأورام، والأنسولين، ومشتقات الدم. وقد بدأت أولى ثمار هذه الاستراتيجية في الظهور، مع الإعلان عن عدد من هذه الصناعات الحيوية في عام 2024.

مصر سوق محوري والاستثمار في الدواء ضرورة استراتيجية

يمثل قطاع الدواء فرصة استثمارية كبرى في دولة مثل مصر، التي تُعد من أكبر الأسواق وأكثرها مركزية في الشرق الأوسط. إلا أن تقلبات الأوضاع السياسية والاقتصادية العالمية منذ عام 2011 أثرت على العديد من المصانع التي كانت قيد الإنشاء، حيث واجهت صعوبات في توفير العملة الصعبة لاستيراد المعدات والخامات، إلى جانب ارتفاع تكلفة التمويل البنكي لأكثر من 30%، مما أدى إلى تباطؤ عمليات الإنشاء والإنتاج.

تكاليف ضخمة تواجه المصانع الجديدة

تواجه المصانع الدوائية تحديًا إضافيًا يتمثل في ارتفاع تكلفة الإنشاء التي تبدأ من 500 مليون جنيه، ما يزيد من أهمية وجود بيئة تنظيمية عادلة ومحفزة، خاصة وأن هذه المصانع ليست طرفًا في الأزمات العالمية، بل ضحية لتداعياتها.

ممارسات هيئة الدواء تعرقل نمو القطاع

رغم جهود الحكومة في مواجهة الأزمات الاقتصادية، فإن سياسات هيئة الدواء المصرية أصبحت تمثل عائقًا مباشرًا أمام نمو هذا القطاع، بسبب:
1.تعقيد إجراءات التسجيل والتسعير: تتبع الهيئة نظامًا بيروقراطيًا معقدًا يستغرق سنوات لإنهاء إجراءات تسجيل وتحليل وتسعير المستحضرات.
2.رسوم مبالغ فيها: رغم كونها هيئة غير هادفة للربح، فإن فرض رسوم مرتفعة زاد من الأعباء على المصانع، ورفع أسعار الأدوية على المواطنين.
3.غياب المرونة في الأزمات: لم تراعِ الهيئة الأوضاع السياسية والاقتصادية، بل قامت بإلغاء آلاف التسجيلات الدوائية دون مبرر واضح.
4.أزمة تمويل متفاقمة: مع ارتفاع الدولار، زادت صعوبة توفير السيولة اللازمة للمصانع، في ظل ارتفاع فوائد القروض.
5.الزيادة السكانية تتطلب التوسع: لا يمكن مواجهة النمو السكاني المتسارع دون التوسع في عدد المصانع لضمان وفرة الدواء ومنع الاحتكار وارتفاع الأسعار.

التوطين هو الحل.. ولكن يلزمه إصلاح تشريعي

الوصول إلى اكتفاء ذاتي حقيقي في الأدوية المستوردة بالعملة الصعبة، خصوصًا تلك التي تفرض الشركات الأجنبية أسعارًا مبالغًا فيها أو تمتنع أحيانًا عن تصديرها، يستدعي تنفيذ التوجيه الرئاسي بضرورة توطين هذه الصناعات بأقصى سرعة.

وقد شهد عام 2024 إنجازات غير مسبوقة في هذا الملف، ومن المتوقع أن تستمر مصر في التقدم بوتيرة متسارعة خلال السنوات المقبلة.

نسبة تغطية غير مسبوقة عالميًا.. لكن التحديات مستمرة

واستكمل عوف، رغم أن 91% من تغطية السوق المحلي رقم عالمي، حيث لا تحقق دول كبرى مثل الولايات المتحدة وألمانيا هذا المستوى، وتكتفي بعض دول الشرق الأوسط بنسبة لا تتجاوز 45%، إلا أن الوصول إلى نسبة 95% يبقى هدفًا واقعيًا.

لكن في ظل التطور السريع في مجال الأدوية الحديثة ذات التقنية العالية، من المتوقع أن تظهر فجوة جديدة تتطلب دخول الصناعة المصرية هذا المجال الحيوي، وهو ما يستدعي إصلاحًا جذريًا في سياسات هيئة الدواء المتعلقة بالتسجيل والتسعير والتداول.