نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
إسرائيل وتركيا تعيدان رسم الخرائط الطائفية في سوريا - تكنو بلس, اليوم الأربعاء 7 مايو 2025 08:02 صباحاً
تشهد العلاقات التركية–الإسرائيلية مزيداً من التدهور بعد تقلّبات حادّة خلال العقدين الماضيين، تراوحت بين التعاون البراغماتي في ملفات إقليمية، كالساحة السورية، والتوتّرات السياسية على خلفية الملف الفلسطيني.
ومع تصاعد التوترات في سوريا، دخلت العلاقة بين أنقرة وتل أبيب مرحلة جديدة من الصراع على النفوذ، وتفكك صيغ التفاهم غير المعلنة التي كانت تضبط إيقاع التنافس بين الجانبين داخل الأراضي السورية.
الطيران المدني كساحة صراع جديدة
في 3 أيار/مايو 2025، منعت أنقرة طائرة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من عبور الأجواء التركية، بالتوازي مع تصعيد إسرائيل لعملياتها العسكرية في سوريا. تلا ذلك تعليق الرحلات المدنية بين البلدين، ما يعكس تدهوراً غير مسبوق في العلاقات الثنائية على خلفيات سياسية وأمنية.
تستخدم أنقرة المجال الجوي كأداة ضغط ديبلوماسي، بالتوازي مع تحوّل سوريا إلى ساحة مواجهة بالوكالة. ويعكس الطيران، كأداة رمزية للانفتاح أو العزل، حجم الانزلاق في العلاقات التركية–الإسرائيلية، ويشير إلى تحوّلات أعمق تتجاوز الملف السوري، نحو صراع جيواستراتيجي مفتوح في شرق المتوسط.
وبحسب تقارير إعلامية نُشرت الأحد، وقعت مواجهة جوية بين القوات الإسرائيلية والتركية في الأجواء السورية. ووفقاً لصحيفة "سوزجو" التركية المعارضة، دخلت طائرات إف-16 تركية الأجواء السورية نهاية الأسبوع، وأرسلت "رسائل تحذيرية" للطائرات الإسرائيلية المشاركة في موجة الغارات الجوية.
ونفى الجيش الإسرائيلي هذه التقارير، إلا أن الضربات الإسرائيلية الأخيرة استهدفت مواقع تابعة لميليشيات موالية لتركيا في محافظة حماة، بما في ذلك "لواء السلطان مراد" و"لواء سليمان شاه"، المرتبطين بأنقرة.
وفي آذار/مارس الماضي، قصفت إسرائيل قاعدتي "تي فور" و"مطار حماة"، قبل ساعات قليلة من وصول وفد عسكري تركي لتقييمهما.
سوريون في أحد أسواق دمشق. (ا ف ب)
تكتيكات إسرائيلية لكسب الحاضنة الدرزية
رغم سقوط نظام الأسد، استمرّت إسرائيل في عملياتها العسكرية والاستخبارية جنوب سوريا، بهدف منع تموضع تنظيمات متطرّفة على حدودها، بدلاً من المواقع التي كانت تشغلها المجموعات الموالية لإيران، وإعادة تشكيل البيئة الأمنية على طول الحدود.
كذلك، سعت تل أبيب إلى ملء الفراغ السياسي والعسكري في الجنوب السوري ما بعد الأسد، من خلال تعزيز وجودها العسكري، إلى جانب استخدام أدوات مدنية وتنموية في محاولة لكسب حاضنة محلية، ولا سيما في أوساط المجتمع الدرزي.
وتبدو هذه السياسة الإسرائيلية أقرب إلى تكرار النموذج التركي في سوريا، والذي بدأ منذ أوائل الحرب تحت مسمّيات متغيّرة: من "حماية التركمان"، كما في فضيحة "شاحنات المخابرات التركية"، إلى "حماية السنّة"، كما عبّر عنها وزير الخارجية الأسبق أحمد داوود أوغلو، وصولاً إلى تبرير التدخل تحت شعار "منع تدفّق اللاجئين".
لكن دخول إسرائيل على خط النفوذ، وتقاطع تحرّكاتها مع خطط تركيا، فتح الباب أمام صراع ناعم على النفوذ، سرعان ما أخذ طابعاً تصاعديّاً.
تشهد الطائفة الدرزية السورية اليوم مرحلة تحوّلات دقيقة، بعد سنوات من الحياد النسبي أو المعارضة المترددة للنظام. ومع بروز إسرائيل كفاعل مباشر في الجنوب، تجد الطائفة نفسها على حافة استقطاب جديد: من جهة، تراهن إسرائيل على البعد الطائفي والروابط العائلية مع دروز فلسطين والجولان، لاستقطاب نخب درزية في السويداء، عبر وعود بالحماية والدعم الاقتصادي. ومن جهة أخرى، تعتمد تركيا على حكومة دمشق وأذرعها المباشرة كالفصائل المتطرّفة القابلة للتحريك عبر قرارات "النفير العام" أو "دعوات الجهاد"، وعلى أدوات غير مباشرة في المجتمع الدرزي نفسه، للحدّ من التمدد الإسرائيلي.
وتتعامل كل من أنقرة وتل أبيب مع المجتمع الدرزي بوصفه أداة في صراعهما السوري، لا كفاعل مستقل، ما يُنذر بتهديد الاستقرار ليس فقط في الجنوب، بل على امتداد الجغرافيا السورية.
لبننة سوريا: صراع الهويات والنفوذ في دولة مفككة
في مقابل التمدد الإسرائيلي جنوباً، تكثّف تركيا جهودها في الشمال عبر خطط معلنة لإنشاء قواعد عسكرية، وتحويل وجودها الموقت إلى تمركز استراتيجي طويل الأمد.
وترى أنقرة في تراجع الدورين الروسي والأميركي في سوريا، وحاجة السلطة الانتقالية في دمشق إلى دعمها في مجالات البنية التحتية والطاقة، فضلاً عن نفوذها على الفصائل العسكرية الأفضل تسليحاً ضمن "الجيش السوري الجديد"، عوامل كفيلة بإفشال المساعي الإسرائيلية.
منذ نهاية عام 2023، بدأت المؤسسة الأمنية التركية بإعادة تعريف علاقتها بإسرائيل من خلال تغيير في الخطاب الرسمي، الذي انتقل من انتقادات مرتبطة بفلسطين إلى تحميل تل أبيب مسؤولية مباشرة عن "زعزعة الاستقرار الإقليمي".
وتزامن ذلك مع تسريبات عن رصد الاستخبارات التركية لتحرّكات استخبارية إسرائيلية داخل تركيا وشمال شرق سوريا.
إلى جانب ذلك، كثّفت الحكومة التركية، عبر مسؤوليها وأذرعها الإعلامية، من لهجة التصعيد تجاه نتنياهو، كوسيلة لحشد الرأي العام التركي والعربي، وتحويل إسرائيل من طرف معادٍ في الملف الفلسطيني إلى خصم مباشر يهدد الأمن القومي التركي.
إن المشهد السوري الحالي يوحي بسيناريو مشابه لما عرفته لبنان خلال العقود الماضية: ساحة مقسّمة بين مناطق نفوذ متداخلة، تتنازعها قوى إقليمية عبر أدوات محلية، ضمن صراع مفتوح على الأمن، الهوية، والموارد.
0 تعليق