تتخذ قطر، إحدى أغنى دول العالم، خطواتٍ جريئةً لتحويل عاصمتها إلى المركز المالي الرئيسي القادم في الشرق الأوسط، مُقدّمةً مجموعةً من الحوافز لعمالقة وول ستريت والمستثمرين العالميين.

وفقا لتقرير بلومبرج، يُقدّم المسؤولون في الدوحة إعاناتٍ، ويغطّون تكاليف تجديد المكاتب، بل ويدفعون جزءاً من رواتب الموظفين لجذب الشركات الكبرى، كجزءٍ من رؤيةٍ طموحةٍ لمنافسة المراكز العريقة مثل دبي وأبو ظبي والرياض.

قطر تصبح القوة المالية: حوافز غير مسبوقة للشركات العالمية

من خلال ذراعها للتنمية الاقتصادية، “استثمر في قطر”، تُكثّف الحكومة جهودها لاستقطاب الشركات المالية من خلال تحمّل بعض الأعباء التشغيلية المحلية.

أكّد الشيخ علي الوليد آل ثاني، الرئيس التنفيذي لـ”استثمر في قطر”، على النهج الحكومي المُستهدف قائلاً: “لطالما كان نهجنا هو العمل نحو حيث نرى ميزةً تنافسيةً”. الرسالة واضحة: قطر تسعى لترسيخ مكانتها كوجهة مفضلة للتمويل العالمي في المنطقة.

كجزء من حزمة لوسيل للخدمات المالية، وهي مبادرة بقيمة مليار دولار، يمكن للشركات تغطية ما يصل إلى 40% من تكاليف استثماراتها المحلية لمدة خمس سنوات، خاصةً إذا افتتحت مكاتب لها في منطقة لوسيل المالية الجديدة والبارزة.

لا تقتصر الخطة على القطاع المصرفي والمالي، بل تشمل أيضًا قطاعات التكنولوجيا والخدمات اللوجستية والتصنيع المتقدم.

جهاز قطر للاستثمار وقوة ثروة الدولة

يُعدّ جهاز قطر للاستثمار، الذي تبلغ قيمته 524 مليار دولار، أحد أكبر صناديق الثروة السيادية عالميًا، محورًا أساسيًا في استراتيجية قطر.

وفقًا لمصادر مطلعة على الاستراتيجية تحدثوا لبلومبرج، قد يستخدم جهاز قطر للاستثمار موارده الضخمة لتشجيع صناديق الاستثمار الخاصة والبنية التحتية على تأسيس أعمالها في البلاد، مما قد يُسهم في استقطاب المزيد من الشركات المالية العملاقة للانتقال إلى الدوحة أو التوسع فيها.

وتشمل الخطوات الأخيرة تمويلًا أوليًا لشركات رأس المال الاستثماري من خلال برنامج صندوق الصناديق التابع لجهاز قطر للاستثمار.

أعلنت كلٌّ من شركة يوتوبيا كابيتال مانجمنت، ومقرها لندن، وشركة بي كابيتال المرموقة – التي أسسها إدواردو سافرين، مؤسس فيسبوك – عن خططٍ لإنشاء مقرّ رئيسيّ لها في الشرق الأوسط في قطر بعد حصولهما على دعم جهاز قطر للاستثمار.

هل تتفوق على منافسيها الإقليميين؟

على الرغم من هذه الجهود الحثيثة، لا تزال الدوحة متأخرةً عن المراكز المالية العريقة. تُقدّم دبي وأبو ظبي مسارات إقامة أكثر سلاسةً ونمط حياةٍ عالميّاً أثبت جاذبيته للمغتربين والشركات الدولية.

في غضون ذلك، تبنّت المملكة العربية السعودية موقفاً متشدداً، مُلزمةً الشركات بالحصول على ترخيص مقرّ محليّ وإلاّ تُخاطر بالاستبعاد من العقود الحكومية.

على النقيض من ذلك، تُفضّل قطر سياسة الترغيب والترهيب. قال الشيخ علي: “ينصبّ التركيز على تحفيز الشركات على تأسيس أعمالها. نسعى إلى أن نكون تنافسيين ونُساعد في جذب الاستثمار من خلال تجنّب بعض المخاطر”.

النتائج بدأت تؤتي ثمارها

بدأت استراتيجية الدوحة تُؤتي ثمارها. أعلنت مجموعة أشمور، وهي شركة إدارة استثمارات في الأسواق الناشئة، للتوّ عن خطط لفتح مكتب في قطر، على غرار شركة بلاك روك (شركاء البنية التحتية العالمية).

يتطلع قادة القطاع، بمن فيهم الرئيس التنفيذي لشركة ريليتد كوز، جيف بلاو، إلى إبرام صفقات في قطر، بينما تشهد منطقة لوسيل نشاطًا تجاريًا دوليًا متزايدًا.

وقد عبّر رئيس الوزراء الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني عن تفاؤل البلاد في منتدى قطر الاقتصادي هذا الأسبوع قائلاً: “كان كأس العالم بمثابة طرح عام أولي لقطر. وأعتقد أن هذا الطرح كان – ولله الحمد – ناجحًا للغاية، وقد فاق الاكتتاب فيه المعروض”.

اقرأ أيضًا.. اغتيال أندريه بورتنوف المساعد السابق للرئيس الأوكراني في مدريد

قطر تصبح القوة المالية: البناء ما وراء النفط والغاز

تتطلع قطر تصبح القوة المالية، بفضل وفرة السيولة النقدية من قطاع الغاز الطبيعي المسال المزدهر، إلى تنويع اقتصادها. ومع بقاء إرث كأس العالم لكرة القدم، البالغة تكلفته 300 مليار دولار، حاضرًا في الأذهان، تواصل البلاد جذب الانتباه العالمي من خلال الفعاليات الرياضية والمؤتمرات والمعارض المصممة لجذب رجال الأعمال والعائلات والسياح العلاجيين.

إن عزم الحكومة على الاستفادة من قوتها الاقتصادية، إلى جانب سياساتها الجاذبة للمستثمرين، يُعيد تشكيل صورة قطر من كونها مجرد وسيط في السياسة الإقليمية إلى لاعب رئيسي في الاقتصاد العالمي.

الطريق إلى الأمام

لا تزال هناك تحديات: إقناع المزيد من الشركات بفتح مكتب جديد في منطقة تعج بالمراكز المالية، ومنافسة امتيازات نمط الحياة في الإمارات العربية المتحدة.

مع ذلك، وبفضل الموارد المالية الوفيرة لجهاز قطر للاستثمار والنهج العملي لهيئة الاستثمار القطرية، تُرسل الدوحة رسالة قوية إلى وول ستريت وما وراءها – قطر منفتحة على الأعمال التجارية، ومستعدة للمنافسة على أعلى مستوى.

نسخ الرابط تم نسخ الرابط