تعاني الشركات التركية من وطأة واحدة من أشد دورات التشديد النقدي التي شهدتها البلاد منذ عقود، حيث دفع ارتفاع أسعار الفائدة والمخاوف من هبوط اقتصادي حاد ما يقرب من نصف الشركات المدرجة في البورصة إلى تسجيل خسائر.

 الشركات التركية.. خسائر مع ارتفاع تكاليف الاقتراض

وفقًا لبيانات جمعتها بلومبيرج وشركة بيزيم منكول للوساطة المالية، سجلت 269 شركة تركية من أصل 539 خسائر صافية في الربع الأول من عام 2025، بزيادة حادة عن 206 شركات في العام السابق. انخفضت هوامش الربح على مدار 12 شهرًا الماضية لمؤشر BIST 100 القياسي إلى 4.1% فقط في نهاية مارس، مسجلةً أدنى مستوى لها منذ أواخر عام 2020.

السبب الرئيسي: تكاليف الاقتراض التي تقترب الآن من 50%، مع تجاوز بعض معدلات إعادة التمويل التجارية 60%. العديد من الشركات التي دعمت سابقًا تحول البنك المركزي إلى سياسات أكثر تقليدية، تعاني الآن من ديون قصيرة الأجل وتراجع في الربحية، مع استمرار تشديد السياسة النقدية.

تراجع السياسة يُبدد آمال التعافي

في أعقاب الاضطرابات السياسية التي شهدها مارس، بما في ذلك سجن زعيم المعارضة ورئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، تراجع البنك المركزي التركي عن مساره السابق لخفض أسعار الفائدة. رُفع سعر الفائدة القياسي من 42.5% إلى 46%، مع وصول الإقراض لليلة واحدة إلى 49%.

هذه الخطوة، التي تهدف إلى استقرار العملة ومكافحة التضخم، تركت الشركات تعاني من ضغوط تكاليف التمويل المرتفعة.

حذّر إردال باهجيفان، رئيس غرفة تجارة إسطنبول، قائلاً: “إننا ندخل فترةً يصعب تحمّلها”. وقد دقّ قادة الأعمال ناقوس الخطر بشأن الإجراءات الأخيرة، التي تشمل رفع أسعار الفائدة وتضييق السيولة، متوقعين تفاقم الضغوط على القطاع الحقيقي في تركيا.

انخفاض حاد في الأرباح وبيع الأصول تلوح في الأفق

يتجلى الضغط جليًا في كبرى التكتلات والمصنعين في تركيا. أعلنت شركة زورلو القابضة عن خطط لبيع أصولها وتسريح عمالها، بينما خفضت شركة توفاش تورك أوتومبيل فابريكاسي، أقدم شركة لصناعة السيارات في البلاد، قوتها العاملة بنسبة 13%.

ظلّ مؤشر مديري المشتريات في قطاع التصنيع دون مستوى 50 المحايد لمدة 13 شهرًا متتاليًا، مما يشير إلى استمرار الانكماش، وتراجعت الثقة الاقتصادية بشكل عام إلى أدنى مستوياتها منذ سبتمبر.

حذرت ستاندرد آند بورز جلوبال مؤخرًا من أن ارتفاع تكاليف إعادة التمويل وقلة السيولة يُهددان ربحية الشركات التركية وآفاقها الاستثمارية. وقد تفاقم هذا التأثير مع تطبيق قواعد حساب التضخم العام الماضي.

مؤشرات اقتصادية متباينة: انخفاض معدل البطالة

على الرغم من الأزمة المالية، لا تزال نسب القروض المتعثرة في تركيا ضمن الحدود المقبولة، وبلغت البطالة أدنى مستوياتها التاريخية. ومع ذلك، هناك دلائل على تدهور سوق العمل، ولا يزال التضخم مرتفعًا بعناد – على الرغم من تباطؤ التضخم السنوي قليلاً إلى 37.9% في أبريل من 38.1% في الشهر السابق.

يتوقع مسؤولو البنك المركزي انخفاض التضخم إلى 24% بحلول نهاية العام، لكن المحللين لا يزالون متشككين، حيث تتوقع بلومبرج إيكونوميكس تعديلًا طفيفًا فقط. وتشير الخبيرة الاقتصادية سيلفا بهار بازيكي إلى أن “زيادة التوقعات إلى نطاق يتراوح بين 25% و27%، من 24%، ستكون متوافقة مع الاتجاهات الأخيرة”.

اقرأ أيضًا: اغتيال أندريه بورتنوف المساعد السابق للرئيس الأوكراني في مدريد

مزيد من المعاناة قبل الفرج؟

يراقب المستثمرون وقادة الشركات عن كثب الخطوة التالية للبنك المركزي. ومن المتوقع أن يكشف المحافظ فاتح كاراهان عن توقعات جديدة للتضخم هذا الأسبوع، مقدمًا إرشادات حاسمة حول ما إذا كانت الظروف النقدية المتشددة ستستمر.

صرح نائب المحافظ جودت أكجاي مؤخرًا بضرورة إبقاء أسعار الفائدة مرتفعة حتى تثق الشركات والمستهلكون في عزم البنك المركزي على مكافحة التضخم ويُعدّلون سلوكهم وفقًا لذلك. لكن بالنسبة للعديد من الشركات، أصبح الضغط لا يُطاق.

صرح بوراك تشيتينسيكر، مدير صندوق في شركة ستراتجي بورتفوي في إسطنبول، قائلاً: “من الصعب على أي شركة تحمّل هذا الضغط، وبالتالي سيحتاج البنك المركزي إلى خفض أسعار الفائدة للمساعدة في تخفيفه”.

في الوقت الحالي، تُركت الشركات التركية لتتجاوز هذه العاصفة، على أمل حدوث تغيير في السياسة قبل أن تُسجّل المزيد من الشركات خسائر.

نسخ الرابط تم نسخ الرابط