نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
لماذا ننظر دائماً إلى الخلف؟ - تكنو بلس, اليوم الثلاثاء 13 مايو 2025 12:57 صباحاً
إحدى المعضلات التي تواجه الثقافة السياسية في منطقتنا العربية في هذه الفترة، هي باختصار "النظر إلى الخلف"، في حين أن لدينا من المشكلات المعاصرة التي تحتاج إلى نقاش أهمّ بكثير مما يحتاج الماضي إلى نقاش.
كنت في القاهرة خلال الأيام القليلة الماضية، وكانت المناسبة هي احتفالية مؤسسة البابطين الثقافية في الجامعة العربية، لتكريم عدد من الشعراء العرب، متذكراً مؤسس المؤسسة المرحوم عبد العزيز البابطين.
بطبيعة الحال، وبسبب غيابي عن القاهرة لفترة طويلة، تواصلت مع عدد من الأصدقاء الذين أثق برؤيتهم السياسية والثقافية، ومصر كما يقال ولادة دائماً.
كان النقاش في الجلسات الخاصة، التي جمعتني بهذه النخبة، عمّا يسمّى بتسريبات جمال عبد الناصر ، التي شاعت في الفترة الأخيرة على وسائل التواصل الاجتماعي، وكانت حديثاً يُقال بأنه جرى بينه وبين معمر القذافي.
فهم البعض من تلك النقاشات، كما صرح لي الأصدقاء، أن عبد الناصر لا يريد أن يحارب؛ وفهم البعض الآخر ممن حدّثني أن عبد الناصر كان يستخدم تكتيكاً للإرجاء حتى يتمكن من بناء قواته، وأن ما فعله السادات في حرب 73 ما هو إلا التخطيط الذي كان يفكر فيه جمال عبد الناصر. هكذا يقول الأصدقاء!
المشكلة ليست هنا. المشكلة أننا ما زلنا نناقش الماضي، ماذا فعل عبد الناصر، وما الذي لم يفعله، ونجعل من هذا الملف ملفاً ساخناً يناقش على أوسع نطاق، في حين أنه لا يوجد أحد بيننا الآن يستطيع أن يغير النتائج التي وصلنا إليها. في الوقت نفسه فإن الثقافة السياسية العربية تواجه كمّاً ضخماً وواسعاً من التحديات الآنية، منها كيفية التعامل مع القضية الفلسطينية، وكيف يمكن أن نخرج من هذا المأزق الذي وصلنا إليه اليوم.
كما أن هناك هماً واسعاً وعميقاً هو قضية الميليشيات العسكرية، التي انبثقت في عدد من البلدان العربية من أجل تحرير فلسطين كما قالت، وأورثت بلدانها الفقر والخوف.
لدينا من جانب آخر ما يمكن أن يسمى "الإسلام السياسي"، سواء أكان آتياً من طهران أم من أماكن أخرى، فما زالت هناك طائفة كبيرة في مجتمعنا العربي تم اختطافها بالفعل، وربما لوثت عقولها بسبب هذا الضخ الثقافي الواسع، حول فكرة طوباوية هي "إعادة الخلافة"... ذلك الوهم الكبير!!!
انتهزت فرصة وجودي في القاهرة لأحصل على كتاب السيدة ناهد إمام، والمعنوَن "صندوقي الأسود". تصف رحلتها الطويلة والشاقة مع تيار الإسلام السياسي في مصر في سبعينيات القرن الماضي وثمانينياته وتسعينياته. هذا الكتاب لفت نظري في برنامج "مراجعات"، الذي يقدّمه ضياء رشوان على شاشة "العربية".
عند قراءتي لهذا الكتاب، شعرت بالأزمة العميقة التي شعرت بها ناهد إمام وجيلها الذي اختطف في مرحلة مهمة من حياته، إلى مكان من الشعوذة السياسية المرتكزة على الدين أو هكذا قدم لها.
تصف تجربتها المريرة بزواجها وأحد "الملتزمين"، سواء أكانوا إخواناً أم سلفيين، وكيف أن هذه الفئة في معظمها كانت تقول شيئاً للناس، وتمارس عكسها في الواقع، بخاصة في الموضوع النسائي والموقف من المرأة.
تتطرق إلى الكثير من المفارقات كمثل كتاب فتحي يكن، الداعية الإسلامي اللبناني، الذي كتب كتاباً واسعاً بعنوان "المتساقطون على طريق الدعوة"، وهو يعني أولئك الذين تركوا حركة "الإخوان المسلمين"، ثم بعد فترة انشقّ هو عن الحركة، وأسّس له حزباً آخر! كما تصف من جهة أخرى معاناة السيدة ميرال الطحاوي، التي اعتنقت تلك الأفكار في شبابها، ثم ما لبثت أن تركت الحركة، ونزعت النقاب والحجاب، وأصبحت ناقدة مهمّة لهذا التيار، خاصة في روايتها "الباذنجانة الزرقاء"!
هذه القضايا المعاصرة والصعبة هي التي تحتاج إلى نقاش معمّق حولها، وإلى تفكير عقلانيّ نواجه به مصاعب العصر وتحدّيات التنمية، وليس الحديث عمّا فعله عبد الناصر ، أو ما الذي لم يفعله؛ فذلك أصبح تاريخاً يحاكمه مؤرّخون، من دون أن نوافق أيضاً بأن الرجل كان له ما له، وكان عليه ما عليه!
المؤسف أن كتاب ناهد إمام لم يلقَ ما يستحق من نقد وقراءة معمقة، حيث اختُطف جيل كامل لإدخاله في "قوقعة مغلقة" من الأفكار. وأحسب أن هذا الجيل ليس مقصوراً على مصر، بل منتشر في كثير من البلاد العربية، والتي يمكن ملاحظة كمّ من تلك الأفكار "المشعوذة" التي تصل إلى الجمهور العام، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي. أعتقد أنه من الحريّ بهذا الملف أن يطرح ويناقش بكل صراحة، لأنه مثال صارخ لتوجّهنا إلى "النظر إلى الخلف"!!!
0 تعليق