مستقبل العلاقة بين الأردن وجماعة الإخوان المسلمين: سيناريوات مفتوحة وتحديات متصاعدة - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
مستقبل العلاقة بين الأردن وجماعة الإخوان المسلمين: سيناريوات مفتوحة وتحديات متصاعدة - تكنو بلس, اليوم الجمعة 9 مايو 2025 01:07 مساءً

د. سعود الشَرَفات* 

يعيش المشهد السياسي الأردني مرحلة دقيقة من العلاقة بين الدولة وجماعة الإخوان المسلمين، في أعقاب قرار وزير الداخلية الأردني حظر الجماعة في 23 نيسان /أبريل 2025. هذه التطورات وضعت الجماعة وذراعها السياسي، "حزب جبهة العمل الإسلامي"، في حالة من الارتباك والصدمة، وألقت بظلالها على مستقبل العلاقة بين الطرفين في ظلّ تعقيدات داخلية وإقليمية متشابكة.
ما بدا واضحًا من تصريحات بعض قيادات الجماعة والحزب، التي استمعت إليها خلال الأسبوع الماضي، هو الإقرار بحالة من "الارتباك" والشلل السياسي التي تعاني منها هذه الكيانات، نتيجة غياب قنوات التواصل والحوار المعهودة سابقاً مع الدولة. بعض الأعضاء في داخل الجماعة والحزب أشاروا صراحة إلى حالة من فقدان التوازن والارتباك العميق تعاني منها القيادة الحالية، في ظل غياب الرؤية وعدم وضوح ما تريده الدولة. هذا الانقطاع في التواصل لا يشير فقط إلى أزمة آنية، بل يعكس تحولًا استراتيجيًا في طريقة تعامل الدولة مع الجماعة.

من جهة الدولة، فإن التعامل مع ملف الجماعة لم يعد يُقاس فقط بمنطق الاحتواء أو التهدئة، بل وفق معيار واضح يرتكز على سيادة القانون ومفهوم الدولة الوطنية الحديثة. التصريحات المتعددة من خبراء ومسؤولين تؤكد أن الدولة تنظر بجدية إلى أي ارتباط محتمل بين الجماعة والحزب بتمويل غير مشروع. التحقيقات التي طالت مسؤولين ماليين في الحزب تشير إلى أن الدولة تدرس خطواتها بعناية، لكنها في النهاية – قد- تتجه نحو حلّ الحزب نفسه إذا ثبت التداخل المالي والتنظيمي مع الجماعة المحظورة.
التساؤل الأكبر الذي يطرح نفسه اليوم هو: إلى أين تتجه العلاقة بين الدولة وهذه التنظيمات في ظل هذه المعطيات؟ المؤشرات الأولية توحي بأن الدولة ماضية في إعادة صياغة علاقتها مع جميع الفاعلين السياسيين ضمن مشروع التحديث السياسي الذي يدعمه الملك عبد الله الثاني شخصياً، على قاعدة احترام سيادة الدولة والدستور والانخراط في الحياة السياسية من خلال أحزاب مرخّصة، لا تدين بالولاء لأيّ مرجع خارجي أو إيديولوجيا تتجاوز حدود الدولة الوطنية.

الحديث الذي أطلقه بعض رموز الجماعة والحزب في الشارع، وعبر وسائل الإعلام المؤيدة للجماعة، وحتى تحت قبة البرلمان حول "الفتنة" و"الشيطنة" خلال الأسابيع الماضية، بعد قرار حظر الجماعة، لا يبدو أنه يجد صدى واسعًا في داخل أروقة القرار، بل يتمّ التعامل معه كنوع من المظلوميّة السياسية التي لم تعد مقبولة، خاصة في ظلّ التحذيرات المتكرّرة من محاولات التحريض على الدولة ومؤسّساتها. والتصريحات التي صدرت عن نواب في الحزب محسوبين على الجماعة لم تخفِ لهجة التهديد الضمني، حين أشاروا إلى احتمال لجوء أعضاء الحزب إلى العمل السريّ أو التطرّف، وهو ما يعكس خللاً في فهم قواعد العمل السياسيّ في الدولة الحديثة.

الرهان على أن الجماعة قادرة على ضبط الشارع أو احتواء الغضب الشعبي لم يعد مقنعًا، خاصة في ظل تجارب تاريخية تثبت أن الجماهير إذا تحرّكت بفوضى لا يمكن لأيّ طرف كبحها. الدولة تدرك تمامًا أن منطق الاستعلاء و "المنّ" بدعم النظام في محطات تاريخية، مثل عامي 1957 و1970، لم يعد صالحًا كذريعة للبقاء خارج إطار القانون. الدولة هي التي وفّرت للجماعة مظلّة الحماية والرعاية والتميّز الإيجابي على حساب بقية المكونات الاجتماعية والسياسية وليس العكس، وهو ما يستدعي من الجماعة وقفة مراجعة عقلانية عميقة لنبرة خطابها وتاريخها.

اليوم، تقف الجماعة أمام لحظة مفصلية: إمّا أن تعيد تعريف نفسها كجزء من نسيج الدولة الأردنية، تحت مظلة القانون والدستور، وإما أن تبقى في حالة المواجهة والإنكار. الدولة، من جهتها، لا تبدو في عجلة من أمرها، وهي تتعامل مع الملف بهدوء محسوب، في انتظار ما ستسفر عنه التحقيقات القانونية، وما إذا كانت الجماعة مستعدة فعلاً لتغيير نهجها والتخلي عن إيديولوجيتها العابرة للحدود لصالح دولة القانون والمؤسسات. 

*مؤسس ومدير مركز شُرُفات لدراسات وبحوث العولمة والإرهاب

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق