على أعتاب الثمانين، تسترجع الحاجة «أم محسن» مشاهد حجٍ عايشته قبل خمسين عامًا، حين كان الطريق إلى مكة دربا من الصبر والإيمان، وكانت رحلة الحج تجربة تعبق بالخشوع وتزدحم بالتحديات و في حديثها لـ«عكاظ»، تروي كيف كان الحج قديمًا، حينما كانت القلوب معلّقة بالوصول رغم بساطة الوسائل وقسوة الظروف.

من شمال المملكة انطلقت الحاجة أم محسن، تاركة أبناءها الصغار لدى والدتها، غير آبهة بعناء السفر ولا قسوة الطريق. «ركبنا اللوري وكان مزدحماً بالحجاج من كل مكان، رجالاً ونساءً، يفترشون الأرض ويعتلون السطح، كل يحمل مظلته وبعض الزاد.. ولم يكن في الحافلة تكييف ولا مقاعد مريحة، فقط قلوب تتلهف للوصول.»

تتذكر الحاجة موقفاً عصياً على النسيان، حين سقط أحد الحجاج من على ظهر اللوري متأثراً بحرارة الشمس، ولم يكمل الطريق.. دفناه ونحن نبكي، وقلوبنا واجفة أن نلقى المصير نفسه، لكن كنا نواسي أنفسنا بأننا في طريق الحج، طريق القبول.«

عند المشاعر المقدسة، كانت المعاناة تشتد،»رمينا الجمرات وسط تدافع هائل، لا نظام ولا تسهيلات، وكان المكان شبه خالٍ من الخدمات.. كنا نبيت في خيام مؤقتة نثبتها بأيدينا، ونبحث عن الماء في أرجاء مزدحمة،.«

وبينما تنظر أم محسن اليوم إلى المشاهد الحديثة عبر الشاشات، لا تملك إلا أن تُبدي إعجابها بالتحول الكبير:»الحج الآن أصبح أكثر راحة وتنظيمًا.. كل شيء متوفر، من النقل إلى السكن وحتى المياه الباردة.. جزى الله من سهّلوا حج الناس كل خير."

ذكريات الحاجة أم محسن ليست مجرد سرد لحكاية تعب، بل شهادة حيّة على تطور عظيم، يضع خدمة ضيوف الرحمن في مصاف الأولويات، ويؤكد أن ما كان بالأمس مشقة، أصبح اليوم نعمة.. ويبقى الحج، مهما تغيّرت ملامحه، رحلة إيمان لا تنسى.