موجز تاريخ الرقص الشرقي... كما نعرفه - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
موجز تاريخ الرقص الشرقي... كما نعرفه - تكنو بلس, اليوم الجمعة 2 مايو 2025 06:58 صباحاً

يعتبر الرقص الشرقي من أكثر الفنون الأدائية انتشاراً وشهرةً في منطقة الشرق الأوسط وخارجها، متميزاً بحركاته الفريدة للجذع والوركين التي تعكس تراثاً ثقافياً غنياً. تشير الدراسات والأبحاث التاريخية إلى أن الرقص الشرقي نشأ في مصر القديمة، حيث تطوّر عبر العصور المختلفة ليأخذ أشكالاً وأنماطاً متنوعة تختلف حسب البلد والمنطقة الجغرافية، سواء من ناحية الأسلوب أو الأزياء.

مصر هي المهد
يتفق أغلب الخبراء والمختصّين في مجال الرقص الشرقي على أن هذا الفن متأصل بشكل خاص في الثقافة المصرية القديمة. فقد أشار المؤرخ اليوناني هيرودوت إلى قدرة المصريين الملحوظة على خلق المرح التلقائي من خلال الغناء والتصفيق والرقص في قوارب على نهر النيل خلال المهرجانات الدينية المختلفة، ويعتقد بأن الرقص الشرقي نشأ من هذا التراث القديم الغنيّ بالبهجة والفرح.

وبحسب دراسة تاريخية، أصدرها مركز الأقصر للدراسات والحوار والتنمية، عرف قدماء المصريين الاستعراضات الراقصة، وأقاموا مدارس لتعليم الرقص قبل آلاف السنين، وعلى ذلك شواهد كثيرة نجدها في المعابد والمعالم الأثرية لملوك مصر القديمة في أبيدوس والأقصر وإدفو، وتدلّ على أن الرقص عندهم كان يوظّف درامياً. وتوضح عالمة الآثار منى فتحي، مؤلفة الدراسة، بأن مصر عرفت فنوناً راقصة، من أهمها رقصة العصا أو التحطيب المستمدة من أصول فرعونية قديمة. فقد صور الفراعنة هذه اللعبة على جدران معابدهم، كما أن نقوشاً للعصا المستخدمة في هذه اللعبة في عصور الفراعنة وجدت على جدران معابد الأقصر.

في موسوعته "قصّة الحضارة"، كتب المؤرّخ الأميركي ويل ديورانت: "فيما كانت طقوس العبادة في الحضارة اليونانية ابتهالاً وتضرّعاً وبكاء، كانت هذه الطقوس في مصر القديمة رقصاً للتقرّب من الإله". ويعود ظهور آثار الرقص عند الإنسان إلى 3300 سنة قبل الميلاد، إذ وُجدت نقوش في قبور الفراعنة تُشير إلى شيوع الرقص في الطقوس الدينية، "فكانت النساء يرفعن سُرتهن (رمز الأمومة) إلى الأعلى أمام الحجارة المنحوتة، كي يبارك الإله خصوبتهن".

إلى ذلك، تظهر السجلات التاريخية أن العديد من المؤرخين اليونانيين والرومان، بمن فيهم جوفينال ومارتيال، وصفوا راقصين من آسيا الصغرى وإسبانيا باستخدامهم حركات متموّجة واستعمال الصنجات والرقص على الأرض مع "الأفخاذ المرتعشة"، وهي أوصاف تشير بوضوح إلى الحركات التي ترتبط اليوم بالرقص الشرقي.

خيول مسرجة
مع انتشار الإسلام وتوسع الحضارة الإسلامية، أصبح الرقص الشرقي جزءاً من المتع البلاطية في عصور الخلافة الأموية والعباسية والفاطمية. لكن العباسيين كانوا أكثر من أدخل الجواري الراقصات إلى البلاط، فأرسلوا في طلبهن من جميع أنحاء الدولة الواسعة للترفيه، وكان العديد من الفنانات من الجواري والإماء قد تم تدريبهن على فنون الغناء والرقص.

في مقدّمته، يصف ابن خلدون الرقص في العصر العباسي بأنه كان فناً أرقى كثيراً من مجرد الإثارة الحسيّة، ويورد وصفاً لرقصة تمتطي فيها الراقصات "خيولاً مسرجة من الخشب... يحاكين بها ركوب الخيل، ويقمن بالكرّ والفرّ كأنهنّ في حرب". ويقول الأصفهاني في "الأغاني" إن الخليفة الأمين كان يركض في هذا الحصان الخشبيّ في صحن قصره، "بينما الوصائف من حوله يغنّين على الطبول والسرنايات، والمخنّثون يزمّرون ويطربون".

في العصر العثماني، شهد الرقص الشرقي تطوراً آخر، إذ صار يُؤدّيه صبيان في قصر السلطان، إلى جانب النساء. كان راقصو "الكوجك" (ذكور) و"الشنكي" (إناث) يعملون في الحريم كجزء من الترفيه في البلاط، وغالباً ما كانوا يُختارون من خلفيات غير تركية أو غير مسلمة.

تنوع إقليمي وثقافي
تطور الرقص الشرقي على مر الزمن، فاتخذ أشكالاً وأنماطاً مختلفة بحسب البلد والمنطقة، سواء من ناحية الأزياء أو أسلوب الرقص. وعلى الرغم من هذا التنوع، فإن الأنماط والأزياء المصرية تبقى الأكثر شهرة في جميع أنحاء العالم، ويرجع ذلك بشكل كبير إلى الصورة التي قدّمتها السينما المصرية، والتي ساهمت في ترسيخ الأسلوب المصري كنموذج عالمي للرقص الشرقي.

عاش الرقص الشرقي حقبته الذهبية في مطلع القرن العشرين، إذ كانت مشاهد الرقص عنصراً أساسياً في الأفلام المصرية، التي كرّست نجومية أسماء كبيرة في هذا الفن، مثل تحية كاريوكا وسامية جمال ونجوى فؤاد. لكن الحق يقال: لم يشهد العرب منذ العصر العباسي راقصة أشهر من شفيقة القبطيّة.

وصلت شعبية الرقص الشرقي إلى الغرب فى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، "حين كان يصور الفنانون المستشرقون الصور لحياة الحريم في الدولة العثمانية. وفي عام 1876 انتشر الرقص الشرقي في ولاية فيلادلفيا، خاصة مع وصول العديد من المهاجرين العرب. لكن في عام 1893، كان هناك عرض عالمي في شيكاغو، شاركت فيه عدة راقصات من سوريا وتركيا والجزائر، إلا أن الراقصات اللواتي لفتن الأنظار إليهن كنّ المصريات، وهو ما جعل الجماهير الأميركية تتعجب من التحكم الغريب بأجسادهن"، بحسب ما كتبت هالة أمين في "روز اليوسف" المصرية.

يقول تيموثي ميتشيل في كتابه "استعمار مصر"، الذي ترجمه أحمد حسان وبشير السباعي، إنّ توماس إديسون صوّر وحفظ في عام 1896 أول مقطع مصور لراقصة آتية من الشرق، "سمّت نفسها "مصر الصغيرة" (Little Egypt)"، فيما تقول مراجع متفرقة إنها السورية فاطمة جميل، التي استغلت تعلّق الغرب بالعلوم المصرية، فشهرت نفسها باسمها هذا، وكان أول عرض لها في معرض شيكاغو العالمي، وكان هذا المعرض واحة استشراقية معروفة في القرن التاسع عشر.

اليوم، نشهد عصر الردة... فالراقصات الغربيات، من أميركيات وروسيات، يملأن الساحة الفنية في العالم العربي، ويتعاملن مع هذا الفن، وكأنهم ملكاته.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق