لمرتين، اصطفت لخير السوريين نجوم العالم، فهل تصطفّ نجوم في ما بينهم؟ - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
لمرتين، اصطفت لخير السوريين نجوم العالم، فهل تصطفّ نجوم في ما بينهم؟ - تكنو بلس, اليوم الجمعة 23 مايو 2025 06:02 صباحاً

إبان زيارة  زبيغنيو بريجنسكي، مستشار الأمن القومي الأميركي في عهد جيمي كارتر،  سوريا في عام 2007، قال ما معناه: "جئت إلى سوريا لأستكشف كيف وازنت على مر القرون بين حضارات نهرية قوية على جانبيها، واستطاعت، بفضل ثقافة أهلها، أن تُصَدر للعالم خمسة وعشرين نبياً أو أكثر" (على ذمته) . فقوة بلاد الشام هي في أهلها وثقافتهم وفي ما يصفه تاريخ الديبلوماسية بأنها بلاد تصعب إدارتها لـ"فقر مواردها الطبيعية" و"لأن شعبها نمرود بالفطرة". فلأكثر من ثلاثين قرناً، كلما ضعفت سوريا وتفككت، تحولت إلى ساحة دامية لصراع الأقوياء. 

 

وهكذا، وبعد التحولات في واشنطن، وفي ليلة ليلاء، تفاقمت المخاوف الغربية من إعادة تفويض روسيا، من جديد، إدارة حراك الإقليم لتعود وسيط القوة المهيمن بين إسرائيل وتركيا، وإيران، والعرب والنظام، والمعارضة... إلخ.
في تلك الليلة، تلاقت النجوم الأميركية والبريطانية والتركية والفرنسية والإسرائيلية على تسهيل سيناريو إسقاط عائلة الأسد على يد "هيئة تحرير الشام"، وهكذا كان السقوط المدوي، وكانت الفرحة العظمى للشعب السوري. 

 

بالنسبة إلى سوريا وشعبها، كانت الفرحة الكبرى لكنها لم تكن تلك إلا بداية للخروج من قعر الجورة السحيقة الزاخرة بالمطبات القاتلة. 

 

بعد السقوط، كانت العقوبات الغربية التي تخنق البلاد أهم المطبات القاتلة، بعضها بسبب الإرهاب، أو بسبب لبنان، لكن أثقلها – قانون قيصر- المرتبط بالقمع الوحشي للثورة السورية، وأكثرها دقة وقسوة تلك المرتبطة بـ "داعش" و"القاعدة". 

 

لكن، في زمن تتصادم فيه الطبقات العميقة للمشهد الجيو-استراتيجي، توقع الباحثون أن يطول أمر رفع العقوبات إلى أن يستتب التقاسم الوظيفي بين أعمدة الاستراتيجية للإقليم. لكن النجوم سرعان ما عادت لتصطف لخير سوريا من جديد. 

 

بهندسة بارعة، نجحت توصية ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، فاختار ترامب دعم مسار التنمية والاستقرار الذي تتزعمه دول الخليج في الإقليم، بدل الاكتفاء بالانصياع لما تريده إسرائيل، فقرر رفع العقوبات والتقى أحمد الشرع، وانقلب ظهر المجن في وجه العديد من القوى الدولية والإقليمية.

 

 
وهكذا، مرقت سوريا من مقطعين هائلين، ورغم الوعورة الهائلة للطريق القادمة أمام السوريين، انفتح أمامهم باب المستقبل. 

 

لكن الأصعب والأخطر لا يزال أمامهم! فما تحقق في الإقليم لم ينضج بعد، بل إنه موضع صراع كبير. ذلك أن ثمة أخطاراً كبيرة تقرع الباب من الخارج: لا يزال الإقليم غير مستقر وقيد التشكل. ولا تزال العديد من القوى غير موافقة على خيارات ترامب الجديدة، ولا نرى أنها ستنصاع ببساطة لواشنطن ولندن. إنها غير مرتاحة إلى التوزيع الراهن لخريطة الإقليم، ولا إلى خيارات ترامب.

 

وتتلاقى هذه القوى في أهدافها مع أهداف القوى الجهادية والطائفية. 
ثم، من يسيطر على سوريا يشكل بلاد الشام بأسرها، والعرب هم البعد الاستراتيجي الطبيعي لسوريا بحدودها الطبيعية، من دون منازع. لذلك، من منطق السلم الإقليمي، لا بدّ من أن يسيطر الشعب السوري وحده على أرضه.  

 

فحكومة إسرائيل غير سعيدة بوجود شركاء آخرين لواشنطن في المنطقة. ويصعب عليها حرمانها من العودة إلى تسيُّدها العسكري في الإقليم وفي سوريا. ويصعب عليها أن تضعف قدرتها على دفع سوريا نحو الانهيار والتفتت الطائفي. فرغم نفي نتنياهو خلافه مع ترامب، تستمر حكومته في الواقع في العمل على تكريس تسيُّدها عبر ما تسميه بعض الجهات البحثية بـ"السلم الإسرائيلي" ((Pax Israelica ، وإبقاء المنطقة "على أسنة الرماح".  

 

في المقابل، تتطلع القوى الغربية، بما فيها الولايات المتحدة، نحو مستقبل سوريا، كدولة لا مركزية موحدة مسالمة ومنضبطة بعيداً عن الميليشيات الإسلامية. دولة تنخرط في الوقت المناسب في منظومة السلام الإقليمي التي تشكل اتفاقات أبراهام عنصراً مهماً فيها. 

 

أما روسيا التي فقدت العديد من روافع استراتيجيتها في الإقليم، فتبدو عملياً مترددة فاقدة للمبادرة، بما يعطي الانطباع بأنها تفضل انتظار ظروف أكثر مواءمة. 

 

في المقابل، تجري معركة حامية في طهران حول جدوى مليارات الدولارات التي أنفقت على أذرعها، دعماً لدرعها القومي، ليتم شطبها بشكل مشين في ساعات. 

 

لذلك أدعي أن ثمة أخطاراً هائلة، ما لم تصطف نجوم السوريين مع بعضها بعضاً. وهذه الأخطار هي:

• أخطار في افتراض وجود خيمة أميركية أوروبية عربية فوق سوريا تسمح بفرض منطق الدولة المركزية الرئاسية المفرطة والاستغناء عن الحاجة للتفاوض مع المكونات حول سوريا اللامركزية. 

• أخطار وهم القوة، والاعتقاد بإمكان فرض إعلان دستوري مفرط في المركزية، من دون تفاوض ولا توافق طوعي على شكل الدولة. 

• أخطار كبرى من غياب تنفيذ العدالة الانتقالية وترك "أولياء الدم" ينتقمون بغريزتهم الطائفية، وعدم معالجة الانتهاكات الفادحة التي تجري "تحت الرادار"، اعتقاداً بأن العالم لا يرى وبأن الأمور لن تنفجر. 

• أخطار تنبع من الحاجة لتحديد عقيدة وطنية جامعة حيادية للجيش السوري كجيش وطني لكل البلاد يحمي الديموقراطية والوحدة الوطنية والتعددية. 
• أخطار بقاء الفصائل والجيوش الأجنبية على الأرض. ليصبح المطلب الجوهري هو انسحاب كل القوات الأجنبية من البلاد. 

• أخطار  التقصير في تجريم الخطاب الطائفي والتخوين المنتشر في كل المنابر ولدى كل أطراف الصراع، إذ ثمة أخطار من كل الدعوات إلى تقسيم البلاد أو إلى التدخل الأجنبي.

إنه السهل الممتنع.  

إنه السهل إن استقوى السوريون ببعضهم بعضاً وتمسكوا بالروح الديموقراطية العارمة التي أججت الثورة وحاصرت الأسد في كل المدن. عندها تفلت سوريا من أن تكون رهينة للصراعات الدولية. 

إنه الممتنع إن ذهب السوريون إلى خطابات التكفير والكراهية والانتقام والاستنصار بالخارج. 

فتحصين البلاد من الأخطار الخارجية مناط بالسوريين أولاً وأخيراً، والديموقراطية، حتى إن تحققت، والمواطنة، حتى لو صارت، لن تحلا مشكلة المكونات، وإلا لما كانت ثمة اسكوتلندا في بريطانيا، ولا كيبيك في كندا، ولا ولايات متحدة أصلاً. بل لابد من بلد سيد يرفض التخوين والانتقام ويكرس التحالف الاستراتيجي مع حاضنته العربية أولاً وأخيراً. 

 

وكما أشار وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، فإن "هذه التجربة الماثلة في منح فرصة للحكومة السورية الراهنة قد تنجح، وقد لا تنجح، ولكن استمرار العقوبات سيدفع التجربة السورية إلى الفشل حتما". 

 

وما لم يتحقق اصطفاف السوريين على محور الحوار والتوافق ستنفجر الأخطار الجاثمة. على السوريين أن لا يفَلتوا هذه الفرصة. فالنجوم لا تبقى على اصطفافها الجميل، لتنقذ السوريين كل مرة، بخاصة حين تكون الصراعات في ما بينهم. 

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق