نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الدروز والتحوّل السوري... خيار الدولة وبوصلة جنبلاط - تكنو بلس, اليوم الخميس 22 مايو 2025 05:21 مساءً
* صالح حديفة
في لحظات التحوّلات الكبرى، لا يُمنح أحد ترف الحياد. وما تشهده المنطقة منذ أكثر من عام ونصف عام، من غزة إلى لبنان إلى دمشق وسائر المحيط، ليس مجرد تسلسل أحداث، بل عاصفة استراتيجية تعيد رسم التوازنات وتهزّ قواعد ما كان مستقراً لعقود. وفي قلب هذا المشهد المتقلّب، تقف الطائفة الدرزية في سوريا أمام استحقاق وجودي: هل تتموضع في قلب الدولة الجديدة، أم تترك نفسها رهينة للفراغ والمجهول؟ وأهمية هذا التموضع لا تقتصر على حدود الجغرافيا السورية، بل تطال بطبيعة الحال الدروز في كل مناطق وجودهم التاريخي، فالعلاقة بينهم ترابطية لا يمكن فصلها.
أوجه هذه الأزمة تجلّت من جرمانا إلى السويداء، بما يتخطى الطابع المحلي، رغم أهميته. فما يجري هو ارتداد مباشر لهشاشة الواقع الإقليمي ولمعادلات دولية تُعاد صياغتها. وما بدا كأنه اشتباك محدود في جرمانا وأشرفية صحنايا، لم يكن إلا تعبيرًا عن صراع على هوية الدولة ووحدتها وموقع مكوناتها، ووجهًا آخر للصراع الإقليمي حول مستقبل سوريا، ومحاولات الاستثمار في واقعها الناشئ.
في ظل هذا المشهد المعقد، جاءت لحظة إقليمية فاصلة. التحول المفصلي حصل في 14 أيار/مايو الجاري، يوم التقى الرئيس السوري أحمد الشرع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في المملكة العربية السعودية، في لقاء رعته الرياض بوضوح وأرادته رسالة سياسية كاملة الأبعاد. لم يكن الاجتماع مجرد مناسبة بروتوكولية، بل محطة مفصلية أعلنت أن لا عزلة للحكم السوري الجديد، وأن مسارًا جديدًا قد بدأ، ترعاه قوى إقليمية ودولية وازنة. إنه اللقاء الذي أطلق إشارات واضحة بأن الحكم في دمشق بات محصنًا بشرعية خارجية صلبة، خصوصًا بعد جولات الشرع بين الرياض وأبوظبي وباريس، والتي أرست مشروعية واضحة لخيار سياسي مختلف.
هذا التطور الإستراتيجي أجهز على ما تبقى من أوهام حول إمكان إسقاط النظام أو عزله عبر أدوات خارجية، وعلى رأسها إسرائيل، التي لطالما راهنت على تفكيك البنية الوطنية من بوابة الأقليات. أما اليوم، فأي رهان على إرساء واقع موازٍ خارج مؤسسات الدولة، خصوصًا في السويداء، بات مغامرة خاسرة.
الطريق الواقعي الوحيد والأكثر أمنًا للطائفة الدرزية، هو الانخراط الكامل في مشروع الدولة المركزية التي باتت مدعومة من المحيط العربي والمجتمع الدولي. وهنا تتجدد أهمية الخط السياسي الذي اتبعه وليد جنبلاط، فقرأ المشهد مبكرًا، وسارع إلى مدّ الجسور مع الرئيس أحمد الشرع. ما بدا في حينه خيارًا جريئًا، يظهر اليوم قرارا استراتيجيا ذكيا، وضع مصالح الدروز في صلب معادلة الدولة لا على هامشها.

السويداء (وكالات).
جنبلاط، كعادته في المحطات المفصلية، التقط لحظة التحوّل وأطلق تحذيراته مسبقًا: لا تزجّوا الدروز في معارك لا تعنيهم، ولا تسمحوا بتحويل الجبل إلى صندوق بريد لتبادل الرسائل الإقليمية. المطلوب حماية سوريا، لا تمزيقها، وحماية الدروز داخلها، لا باقتطاعهم عنها.
الاتفاق الأخير بين الحكومة السورية ووجهاء السويداء وجرمانا – والذي يُعد خطوة على طريق إعادة الاندماج الكامل في مؤسسات الدولة – يجعل المسؤولية مضاعفة على الجميع. الدولة السورية الجديدة مطالبة بأن تكون دولة ما بعد الانقسامات، دولة لكل السوريين بلا إقصاء ولا تهميش. وعلى الفعاليات الدرزية أن تثبت بالإجماع والقرار أن انتماءها النهائي هو إلى وطنها الأم، إلى الدولة السورية الجامعة.
وفي هذا الواقع الإقليمي المتبدّل – من الاحتضان العربي الصريح لسوريا إلى انخراط واشنطن في دعم الاستقرار – لم يعد اللعب على حافة الفوضى خيارًا قابلًا للحياة. الرهان اليوم ليس فقط على حكمة المجتمع المحلي، بل على شجاعة وطنية تتجلّى في:
- أن تدرك دمشق أن احتضان السويداء يعني الشراكة، لا السيطرة.
- أن تدرك الفعاليات الدرزية أن قوتها في الدولة، لا في منطق الفصائل.
- أن تضغط واشنطن على تل أبيب لوقف العبث بالمشهد السوري، لأن "أمن إسرائيل" لا يُبنى على خراب سوريا.
وأمام كل ذلك، يبقى الرهان الأهم على الوعي. أن تتعلم المجتمعات من تجاربها، وألا تتورط في دور الضحية أو الأداة. فحماية الجماعة لا تكون بعزلها، بل باندماجها الكامل في نسيجها الوطني. وفي لحظات الحسم الكبرى، لا ينجو من ينتظر... بل من يحسم موقعه بوضوح، ويصنع تاريخه بقراره.
0 تعليق