الحلم جرحا وصمت الخريطة - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الحلم جرحا وصمت الخريطة - تكنو بلس, اليوم الثلاثاء 20 مايو 2025 09:54 صباحاً

ليا ابراهيم 

 

 

 


 نمشي في الشوارع كأننا سياح، ننظر حولنا ونحاول أن نفهم، أن نبحث عن معنى، عن سبب لكل هذا العبث. لا نجد جوابًا. الطرق مكسّرة، الكهرباء مقطوعة، المياه مقطوعة، والوجوه منهكة، عيون الناس مطفأة. كل شيء ينهار، لكنّ الدولة لا تهتم، وكأننا لسنا هنا، كأننا غير مرئيين، كأننا عبء زائد على أرض لا تتّسع لنا.
أنت طالب؟ لا يهمّهم. خريج؟ لا وظائف. مريض؟ لا دواء. مظلوم؟ لا قضاء. في هذا البلد، لا عدالة، لا قانون، لا كرامة. فقط انتظار طويل في طابور الذلّ. طموحك يُستهزأ به، يُدفن قبل أن يولد. تبدأ بحلم صغير، لكنّه يُخنق في الإدارات الرسمية، في المعاملات المعقّدة، في الوجوه الباردة التي لا تسمعك. كأنك تصرخ في صحراء.
لبنان لم يعد كما نعرفه. صار بلدًا يتعامل معنا كأننا نمرّ فيه مرور الكرام. نعيش فيه بلا حقوق، بلا ضمانات، بلا أمل. نحمل الهويّة اللبنانيّة، لكن لا أحد يعترف بنا. في المستشفيات، في الوزارات، في المدارس، في البنوك، نحن فقط أرقام. تُحذف، تُنسى، تُؤجل، لا أحد يسمع صوتك. الطموح في هذا البلد أصبح رفاهية، حلم الأغنياء، أو حلم من قرر أن يغادر.
الهجرة أصبحت الحلّ الوحيد. نسافر بحثًا عن بلد يعاملنا كأننا بشر. في بلاد الآخرين، نجد احترامًا لم نستطع أن نجده في أرضنا. لكن الغربة موجعة، موجعة جدًا. كلّما حاولنا أن ننسى لبنان، يعود في التفاصيل. رائحة البحر، صوت فيروز، صباح بيروت البطيء، الحنين الذي لا يمكن تفسيره. نحن لا نريد الرحيل، لكننا نُجبر عليه. لأن البقاء أصبح استنزافًا للنفس، للحياة.
أن تكون طموحًا في لبنان، يعني أن تكون موجوعًا. لأنك ترى ما يمكن أن يكون، لكنك تصطدم بما هو. ترى قدراتك، ترى أحلامك، ترى مستقبلك، لكنك ترى أيضًا الواقع، وترى أن لا مكان لك فيه. كأنك شخص غريب في بيتك، تتجوّل فيه بحذر، تخاف أن تُطرد، تخاف أن تُهمّش أكثر مما أنت مهمّش.
الدولة تتعامل معنا كأننا لاجئون في أرضنا. لا حمايَة، لا أمان، لا خطة. فقط وعود واهية، وفساد مستمر، ومشاريع مؤجلة. في كلّ مرة نطالب فيها بحقوقنا، يقال لنا انتظروا. ولكن الانتظار طال، والناس لم تعد قادرة على الصبر. تعبنا من أن نكون موقتين في وطن دائم. تعبنا من أن نحمل وجعنا بصمت، من أن نتحمّل مسؤولية فشل لم نرتكبه.
 اما نحن فنريد فقط أن نعيش بكرامة، أن نحلم من دون أن نخاف، أن نعمل من دون أن نذلّ، أن ننجح من دون أن نهاجر. نريد بلدًا يعاملنا كأننا أهله، لا كأننا غرباء. نريد أن ننتمي، أن نحسّ بأن هذا الوطن هو فعلاً لنا، لا مجرّد بطاقة هوية نُبرزها عندما يُطلب منّا إثبات الانتماء. الوطن ليس ورقة. الوطن هو العدالة، هو الأمان، هو الاحترام.
لكنّنا ضائعون. ضائعون في وطن لا يعترف بضياعنا. نحاول أن نتمسّك، لكن الأرض تُفلت من تحت أقدامنا. نحاول أن نؤمن، لكنّ الإيمان صار صعبًا في ظلّ هذا القهر اليومي. ومع ذلك، لا نستسلم. لأنّنا نحبّ هذا البلد، رغم كلّ ما فيه. نحبّه لأنه نحن. وكلّما حاول أن ينسانا، نذكّره بأننا هنا، بأننا باقون، حتى لو متعبين، حتى لو موجوعين، لكننا هنا.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق