لماذا التأخير في إنقاذ العدلية؟ - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
لماذا التأخير في إنقاذ العدلية؟ - تكنو بلس, اليوم السبت 17 مايو 2025 04:23 صباحاً

الخطوات الإنقاذية والاصلاحية التي حصلت منذ انتخاب الرئيس جوزف عون وتشكيل الحكومة الجديدة، بدت ناقصة مع إغفال معالجة المرفق القضائي البالغ الأهمية.

 

والاستدلال على الإخفاقات العدلية في لبنان، لا يحتاج إلى مزيد من التبصر والعناء، فالأوساط الشعبية بكل مكوناتها تعاني من الاختلال القائم، ومَن ليس عنده مُتهم أو مُلاحق قريب منه من دون محاكمة، قد تكون لديه معاملة إجرائية متأخرة تحتاج الى مصادقة قضائية، ناهيك بالعدد الهائل من الموقوفين الذين أنهوا محكومياتهم، وما زالوا يقبعون في السجون، لأنهم لا يستطيعون دفع الغرامة البسيطة، أو الذين لم يتسن لقضاتهم توقيع معاملة إطلاقهم بسبب انشغالات هؤلاء الكثيرة. بينما المطلوبون للشهادة لتسهيل أمر العدالة يعاملون كمتهمين في بعض القصور المُكتظَة.

 

معادلة "لا دولة من دون عدالة" ليست فرضية تحتاج إلى مزيد من التحليل والاختبار، بل هي حقيقة قائمة أكدتها تجارب الدول، ولاسيما منها الدول الديموقراطية. وقيامة لبنان من مستنقع المآسي الأمنية والسياسية والمالية، تحتاج بالدرجة الأولى إلى تدعيم الجسم القضائي المُتهالك (أو المتعب) وقد تأخر المسؤولون بمعالجة هذه الضرورة، رغم أنها داهِمة، وتتعلَّق بحياة الناس وبمصالحهم وبأمنهم، كما أنها ركيزة أساسية لاستعادة البيئية المناسبة للاستثمارات.

 

ولا يقتصر القصد هنا على رفع "الوصاية السياسية" عن القضاء كما يحلو للبعض تسميته، بل المقصود بالدرجة الأولى تدعيم المرفق بكادر قضائي وإداري كافٍ للقيام بالمهمة الشاقة، ولمراقبة إنتاجية هذا الكادر، لأن ما يحكى عن وجود اختلالات في الأداء، لا يمكن تجاهله، أو إخفاؤهُ، رعم أن بعضه قد يكون فيه شيء من التجنِّي على هذا الكادر.

 

لا يكفي إقرار مشروع قانون في مجلس الوزراء في 2 أيار  / مايو الجاري، يلحظ بعض التحرُّر للسلطة القضائية، كي لا نقول "قانون استقلال هذه السلطة بالكامل" رغم أهميته. ومجلس النواب مُطالب بالاستجابة لمناقشة هذا المشروع في أقرب وقت. لكن معالجة "العورات" المؤلمة في المسار العدلي لا تنتظر إصدار القانون الجديد، وهي تحتاج الى قرار سياسي وإداري، والى تشكيلات قضائية شفافة، والى تفعيل توجه عام كان أشار اليه خطاب القسم لرئيس الجمهورية. ويمكن إدراج بعض الأمثلة عن هذه العورات على سبيل المثال لا الحصر:

 

التحقيقات الأولية في المخافر لا تجري كلها وفقاً للقواعد التي يلحظها قانون أصول المحاكمات الجزائية، والتدخلات في هذا السياق، لا تُعدّ ولا تحصى، خصوصاً لكون عدد كبير من رؤساء المخافر يعينون لإعتبارات طائفية أو سياسية أو بناءً على توصية نافذين مالياً ومناطقياً، وغالباً ما يفتقد بعض هؤلاء الى الخبرة في إجراء التحقيق في الشكاوى المطروحة أمامهم، ولا يتقيدون بحق وجود محامٍ للمتهم إبان اجراء التحقيق، وصدرت شكاوى متعددة في الآونة الأخيرة تؤكد وجود هذا الاختلال، وخصوصاً محاباة المحققين لإحدى أطراف النزاع، وقيل أن بعض النيابات العامة على علم بمثل هذا الجنوح، وتتساهل مع بعض الإفادات التي قد لا تكون صحيحة، وفي القضاء العسكري يحصل ما يُشابه هذه الحالات على شاكلة واسعة، في ظل مطالبة بإلغاء شمول صلاحية هذا القضاء على المدنيين وحصره بالشؤون العسكرية.

 

وهناك مئات الموقوفين منذ سنوات عديدة من دون محاكمة، ومنهم "الناشطون الإسلاميون" وقد تكون مدة توقيف بعض هؤلاء تجاوزت عدد السنوات التي قد يحكمون فيها، او ربما يخرج منهم أبرياء من أي تهمة. والكلام عن عدم وجود تجهيزات لتوليف محكمة محلية في سجن رومية لصعوبة نقل الموقوفين إلى بيروت، لا يكفي لتبرير الفِعلة غير السويَّة.

 

أما اقتراحات العفو العام التي قد تكون أكثر عدالةً من بعض الإجراءات أو الأحكام، فيبدو أنها شعارات سياسية لكسب الوقت، ولا يُعفي العدلية من المسؤولية إطلاقاً. بينما الإخفاقات التي تحصل في سياق العمل الإداري العدلي، لا يمكن إخفاءها، والمحامون يعرفون هذه الحقيقة، فبعض الدعاوى مرَّت عليها سنوات من دون أي تحريك، وهي من فئة الدعاوى المستعجلة، وترتبط بنتائجها حقوق مُتراكمة للمتخاصمين، والحجَّة دائماً: عدم وجود عدد كافٍ من القضاة، والموجودون منهم منغمسون بمهمات متعددة، وقدراتهم المحدودة لا تكفي لبتها.

 

لا يمكن ولوج مرحلة التعافي من دون إصلاح المرفق القضائي وترشيقه، والأمر يحتاج إلى رعاية واهتمام وزيادة عدد القضاة وتحسين وضعهم المالي، كما يحتاج إلى رقابة على الأداء والإنتاجية، وبعض المدونات والعرائض الشكلية الموقعة على عجل، والتي تُقدَّم الى التفتيش القضائي، غير كافية لتبيان حقيقة الوضع، فهناك مَن يتعب منهم أكثر مما هو مطلوب، بينما هناك مَن يستغل التراخي وتعدُّد التكليفات والمهمات لتبرير التراكمات المُخيفة للملفات التي تنتظر الإنجاز.

 

إذا كان القضاء بخير، فلبنان بخير، والمشكلات الأخرى الباقية قابلة للحل مهما ازدادت الصعوبات والضغوط.

  
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق