غزة في انتظار المعجزة! - تكنو بلس

منوعات 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
غزة في انتظار المعجزة! - تكنو بلس, اليوم الجمعة 16 مايو 2025 06:11 مساءً

جو 24 :

كتب حلمي الأسمر - 

بين الشيخَين، عزّ الدين القسّام وعمر المختار، حبلٌ متينٌ لا ينفصم، يربط بين شرق الوطن الكبير وغربه. الأوّل قالها: "إنه جهاد نصر أو استشهاد". والثاني قالها بالطريقة نفسها، وإن اختلفت المفردات: "نحن لا نستسلم ننتصر أو نموت"، وهذا "كود" أو كلمة سرّ أدركها الأعداء مبكّراً، فحاولوا "تذويب" هذا الإكسير في محلول يفسده بشكل كامل، وارتكبوا في سبيل تحقيق هذا الهدف الأفاعيل، وتبعهم من قومنا (جهلاً أو تواطؤاً) خلق كثير، ورغم هذا لم يستطيعوا محو هذا النقش الذي يُزيّن روح الأمّة، وجريمة غزّة التي لا تُغتفر أنها نفضتْ الغبار عن هذا المعتقد الراسخ وحوّلته كائناً حيّاً يُطلّ بأفعاله المذهلة صباح مساء عبر نشرات الأخبار، و"تغريدات" الإعلام الشعبي، حتى صار أهزوجةً تثغو بها أفواه الصغار، و"يدبك" على أنغامها الكبار.

في الجانب الآخر، المعادلة لها شكل آخر، وتعبير مختلف في مفرداته، لكنّ المقاربة واحدة تقريباً، فـ"إسرائيل" هي "دولة" الهزيمة الواحدة، ولا تستطيع أن تعيش إلا مع نصر كامل، أمّا الهزيمة الكاملة فهي معركتها الأخيرة، فهي مبنية على مشروع لا يقبل إلا النصر "الساحق"، بتعبيرهم. أمّا المعركة التي تنهزم بها، فهي ستكون المعركة الأخيرة التي تخوضها. صحيح أن استمرار الحرب يخدم مصالح بنيامين نتنياهو، وطائفة من الذين معه، ولكن الصحيح أيضاً أن لهذا الاستمرار وجهاً آخر يعبّر عن أحد أكثر خصوصيات مشروعهم الاستعماري أهميةً. أصيب هذا المشروع في مقتل، فقد تمكّنت المقاومة من الوصول إلى ما يشبه حجر سنمار، الذي إن اجتُثّ من البناء تهاوى القصر كلّه، والحقيقة أن هذا الحجر تزعزع وتحرّك من مكانه وأصيب بأضرار بالغة، وكلّ ما يحاوله العدو اليوم ليس إعادة تثبيت الحجر في مكانه فقط، بل قطع اليد التي امتدّت إليه، كي لا يجرؤ أحد ما على ارتكاب الفعل ذاته، وهو حتى الآن يفشل في كلتا المهمَّتين.

والخلاصة، ثمّة لقاء تاريخي وحاسم وفاصل بين نموت أو ننتصر، وننتصر أو نتلاشى وننتهي، ولأن موازين القوى بين المشروعَين والمفهومَين لا مقارنة بينهما، فالكفّة تميل من حيث القوّة المادية لمصلحة العدو، وشبه انعدام للقوة "الروحية"، أمّا مشروع القسّام ـ المختار فلديه "فقر"، ومحدودية في القوّة المادية، وغنىً بلا حدود في القوة الروحية، ولا مقارنةَ هنا بين "مجاهد" و "قاتل" مأجور يدافع، ليس عن مشروع استعماري فحسب، بل عن مصالح مدنية (أو حضارة إن شئت) غربية كاملة. هزيمة المشروع تعني بداية رحيل الغرب إلى "جحوره"، وصعود الشرق واستعادة صولجان قيادة العالم، وهذه معركة تستحقّ من الغرب وحلفائه أن يضعوا كلّ ما يملكون من قوة ودعم وذخيرة ولوجستيات في جعبة شريكهم أو مندوبهم "الإسرائيلي"، ليس لهزيمة غزّة فقط، بل لاجتثاث "ننتصر أو نموت"، أو "إنه جهاد نصر أو استشهاد".

ثمّة لقاء تاريخي وحاسم وفاصل بين نموت أو ننتصر، وننتصر أو نتلاشى وننتهي

أيقظت غزّة مفهوماً اجتهد الغرب كلّه بقواه الاستعمارية والفكرية والثقافية، وبقوة ما يسمّى "القانون الدولي"، لتجريم الجهاد، وحسبوا لوهلة أنهم تمكّنوا منه ومن أهله، لتأتي غزّة وتنفض عنه الغبار، وتعيد له ألقه ولألاءه، ليصبح مقاتل "القسّام" من بعد هو "البطل" الذي كان يحلم برؤيته الضمير الجمعي للأمّة، فتتعلّق به قلوب الصغار، وتترنّم بمنجزاته عقول الكبار، وتلك خطيئة غزّة الكُبرى، لهذا وجب مسحها من الخريطة (إن استطاعوا)، ولهذا أعطيت "إسرائيل" شيكاً على بياض لإتمام المهمة، ومصيبتهم هنا، أن التفويض المفتوح لا يمكن أن يبقى مفتوحاً إلى ما لا نهاية، ليس خوفاً على أهل غزّة، ولا تعاطفاً معهم، بل لأن الطرف الذي أُوكل بالمهمّة لم يستطع أن يتمّها، حتى بعد تمديد الوقت المُعطى له، الأمر الذي أوقع من فوّضه بالحرج الشديد أمام شعوبهم، ومع هذا لم يجرؤ أحد حتى الآن ممّن فوّضوا القاتل أن يرفع يده عن دعمه، أو أن يصف حقيقة ما يجري ويسمّيه باسمه: إبادة جماعية، وتطهير عرقي، ومحارق نازية بثوب صهيوني، وإن بدا أن هناك بعض التصدّع في جبهة داعمي المشروع الإجرامي الصهيوني، لكنّ التفويض لم يزل قائماً، وفي الوقت الذي ينتهي هذا التفويض، فلن يكون هناك شيء اسمه "إسرائيل"، فهي مشروع يستمدّ قوّته ليس من ذاته، بل ممّن تبنّاه وموّله، ومع صمود المقاومة، وقربها من تحقيق انتصار لا لبس فيه، فلن يكون هناك تفويض من بعد، وتلك لحظة فارقة في التاريخ البشري كلّه، بدا أن بشائرها بدأت تلوح في الأفق.

وفق موازين القوى المادّية، وبحسابات الأرض، فهذا النصر لم يزل بعيداً جدّاً، وتلك حقيقة تؤكّدها جملة وقائع تبعث في النفس غصّةً كبيرةً، ليس لأن الغرب يدعم هذا المشروع الإجرامي، بل لأنه (الغرب) تمكّن من حشد مؤيّدين وأنصار له من الشرق، من أبناء جلدتنا، أفهموهم ضلاًلاً وكذباً أن نجاح مشروع المقاومة يشكّل خطراً وجودياً عليهم، وتلك فرية تحوّلت مجهوداً حربياً ولوجستياً يحمي ظهر العدو، ويمدّه بأسباب القوّة، كلّ هذا وما زلنا في دائرة موازين القوّة المادّية.

لكن ثمة حسابات أخرى للسماء ورب السماء، حسابات يعرفها المغضوب عليهم أكثر من غيرهم، فهي مروية بالتفصيل في "توراتهم" حين صرع داود الضعيف جالوت القوي الجبار بمشيئة رب المشيئة، ويبدو أننا بانتظار هذه "المعجزة" التي لم يعد تحقيقها بعيدا، والله أعلم.

قدمنا لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى هذا المقال : غزة في انتظار المعجزة! - تكنو بلس, اليوم الجمعة 16 مايو 2025 06:11 مساءً

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق