سلط تقريرٌ حديثٌ صادرٌ عن مؤسسة الحقوق الفردية والتعبير (FIRE) الضوء على اتجاهٍ مُقلقٍ في الجامعات الأمريكية، حيث تم معاقبة 1000 طالب أمريكي بسبب التعبير عن آرائهم فضلا عن الجماعات الطلابية وذلك بين عامي 2020 و2024.

يرسم التقرير صورةً مُقلقةً للمؤسسات الأكاديمية التي تزداد رغبتها في فرض الرقابة على الطلاب ومعاقبتهم على التعبير عن آرائهم، لا سيما خلال المناسبات ذات الصبغة السياسية.

معاقبة 1000 طالب أمريكي: 63% من الحالات تُفضي لعقوبات

من بين أكثر من ألف حادثةٍ رصدتها مؤسسة الحقوق الفردية والتعبير، عوقب 63% من الطلاب في نهاية المطاف على تعبيرهم عن آرائهم، بما في ذلك الإيقاف عن الدراسة، واللوم الرسمي، وحتى الطرد في بعض الحالات.

خضع أكثر من 300 طالب للرقابة رسميًا، وتم إيقاف 72 طالبًا عن الدراسة، وواجه 55 طالبًا الطرد أو فقدان التمويل المؤسسي. ومع ارتفاع العقوبات في الأشهر الأربعة الأولى من عام 2025، تشير بيانات مؤسسة الحقوق الفردية والتعبير إلى أن إجمالي عدد الطلاب المعاقبين قد يتضاعف مقارنةً بالعام الماضي.

أكد لوغان دوغيرتي، مؤلف التقرير، على ضرورة أن تُعزز الجامعات بيئة من الانفتاح والنقاش الحر، لا الرقابة الذاتية والعقاب. وشدد على أهمية مقاومة الضغوط الخارجية لمعاقبة الطلاب على التعبير المحمي دستوريًا، بغض النظر عن محتواه.

العقوبة مرتبطة بالعرق والخطاب المؤيد لفلسطين

يوضح التقرير أيضًا تحولًا في أنواع الخطاب المعاقب عليه. ففي حين دأبت الجامعات تاريخيًا على معاقبة الطلاب على التعبيرات المتعلقة بالعرق، لا سيما بعد مقتل جورج فلويد عام 2020، إلا أن الموجة الأخيرة من العقوبات ارتبطت إلى حد كبير بالخطاب المؤيد لفلسطين.

بعد هجمات حماس في أكتوبر 2023 وما تلاها من حرب إسرائيل على غزة، تزايدت بشكل ملحوظ جهود تأديب الطلاب المدافعين عن فلسطين. في كثير من الحالات، كانت هذه العقوبات بمبادرة من سياسيين وإداريين جامعيين، مما يشير إلى نهج تنازلي أكثر مما كان عليه الحال في السنوات السابقة.

قضية باركر هوفيس: رمز للتوترات المتصاعدة

وجد باركر هوفيس، الطالب في جامعة فلوريدا، نفسه عالقًا في شبكة العقوبات هذه بعد اعتقاله خلال احتجاج مؤيد لفلسطين في الحرم الجامعي في ربيع عام 2024.

رغم إسقاط التهم، وتوصية لجنة السلوك في الجامعة بعقوبة طفيفة فقط، فرضت إدارة الجامعة إيقافًا عن الدراسة لمدة ثلاث سنوات. يواجه هوفيس، الذي كان على بُعد بضع دورات فقط من إكمال شهادة علوم الحاسوب، الآن مستقبلًا غامضًا حيث يعمل على سداد قروض الطلاب دون أن يتخرج أبدًا.

تُجسّد قضية هوفيس كيف أن الجامعات مستعدة بشكل متزايد لاتخاذ إجراءات عقابية، حتى في مواجهة الاحتجاجات السلمية. جاء إيقافه عن الدراسة رغم توافق أفعاله مع احتجاجات طلابية سابقة، واتُهم بانتهاك حظر التخييم لمجرد جلوسه على كرسي تخييم – وهو حظر لم يُحدد رسميًا من قبل.

أقرا أيضا.. لماذا يراهن خامنئي على ترامب وسط تراجع إيران في المحادثات النووية

التأثير على حرية التعبير: سابقة خطيرة

أثار التوجه المتزايد لتأديب الطلاب على خلفية تعبيرهم قلق المدافعين عن حرية التعبير، الذين يرون أنه يُشكل سابقة خطيرة على حرية التعبير الطلابية في المستقبل.

مع الموجة الأخيرة من الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين، فُرضت قيود جديدة في العديد من الجامعات، مما أتاح للمسؤولين نطاقًا أوسع لمعاقبة الطلاب على التعبير السياسي.

حذّرت توري بوريل، المحامية في منظمة فلسطين القانونية، من أن هذه السياسات قد تُستخدم قريبًا لتقييد أشكال أخرى من التعبير، لا سيما في قضايا مثل العدالة العرقية أو السياسة البيئية، وذلك تبعًا لطبيعة الضغوط السياسية التي تُمارس على المؤسسات.

الحاجة إلى المساءلة والشفافية

شهدت جماعات المناصرة، مثل منظمة فلسطين القانونية، زيادة كبيرة في طلبات الدعم، لا سيما من الطلاب الذين يواجهون عقوبات على التعبير المؤيد لفلسطين. في عام 2024 وحده، ارتفعت طلبات المساعدة بنسبة 55% مقارنةً بعام 2023، مع زيادة مذهلة بلغت 600% مقارنةً بعام 2022.

تعكس هذه الأرقام اتجاهًا أوسع نطاقًا يتمثل في تزايد الرقابة والتحديات القانونية المحيطة بحرية التعبير في الجامعات.

على الرغم من المخاوف التي أثارها الطلاب والناشطون، تواصل العديد من الجامعات تبرير إجراءاتها بأنها ضرورية للحفاظ على النظام والسلامة في الحرم الجامعي. ومع ذلك، وكما تُظهر حوادث مثل قضية هوفيس، غالبًا ما تأتي هذه الإجراءات على حساب مستقبل الطلاب الأكاديمي والشخصي.

نسخ الرابط تم نسخ الرابط