نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
انتخابات طرابلس البلديّة... أزمة فرز نظام الامتيازات!! - تكنو بلس, اليوم الخميس 15 مايو 2025 09:20 صباحاً
الدكتور سمير حسن عاكوم
في طرابلس، حيث التاريخ يضجّ بالأوجاع والفرص المهدورة، لم تعد الانتخابات مجرد تمرين ديمقراطي عابر، بل مرآة كاشفة لحقيقة النظام اللبناني المتآكل. ما شهدته المدينة في انتخابات 11 أيار/مايو 2025 البلديّة لا يُمكن حصره في إطار تقني أو تنظيمي، بل يتعداه إلى انكشاف بنيوي لنظام الامتيازات الطائفية والسياسية الذي يمنع قيام مؤسسات شرعية وفاعلة.
في الوقت الذي تنهي دول تعداد سكانها عمليّة الفرز المعقدة وعلى أكثر من مستوى في ساعات قليلة، لليوم الثالث على التوالي بعد الاقتراع البلدي والاختياري في طرابلس، لا تزال النتائج الرسمية غائبة! في مشهد يُشبه انتظار المجهول، بات المواطن الطرابلسي يتساءل هل تأخر إعلان النتائج بسبب تعقيدات لوجستية؟ أم أن المسألة أبعد من ذلك، مرتبطة بفرز سياسي لتوازنات ما بعد الصناديق؟
الواقع أن بطء الفرز ليس مجرد خلل إداري، بل هو انعكاس لغياب الإرادة السياسية للمضي قدمًا بمشروع مأسسة الدولة لإنهاء حقبة الامتيازات التي تتحكم بكل صغيرة وكبيرة من آلية الإحصاء، إلى تسمية الفائزين، إلى توزيع النفوذ في المدينة.
في أي نظام ديمقراطي طبيعي، يُفترض أن يكون المحافظ موظفًا حياديًا ينفّذ القانون. أما في طرابلس، فقد بات موقع المحافظ رمزًا لتسييس الإدارة ومركزة القرار بعيدًا عن الإرادة الشعبية.
المواطنون يتهمون المحافظ علنًا بالانحياز والتواطؤ مع قوى سياسية لا تمثّل المزاج الطرابلسي، بل تعاديه وتستثمر في فقره. هذه العلاقة المشحونة تُفرغ المجلس المنتخب من مضمونه، وتحوّل الانتخابات إلى استعراض هشّ للشرعية الشكلية.
بنسبة اقتراع لا تتعدى 27% تؤكّد طرابلس مرة أخرى أن الديمقراطية الشكلية لا تُقنع شعبًا خذلته الدولة. هذا العزوف لا يعني استقالة شعب من السياسة، بل تمرد على نظام لا يعبّر عنهم، ولا يقدّم أي أفق للتغيير.
حين يشعر المواطن أن المجلس سيتحوّل إلى صورة، وأن المحافظ هو الحاكم الفعلي، وأن صوته لن يغيّر شيئًا... فإن الامتناع عن التصويت يصبح موقفًا سياسيًا بامتياز.
أخطر ما في المشهد، أن ما جرى في طرابلس ليس معزولًا، بل ينذر بتكراره في العاصمة بيروت، حيث الصراع على بلدية المدينة يزداد حدّة مع كل يوم، ومعه تتفاقم مظاهر الانقسام والشلل.
فبلديّة بيروت اليوم تعاني ما تعانيه من غياب رؤية إعادة بنائها بما يتوافق وآمال مواطنيها، لتتحول الى مؤسسات راعيّة تجتمع في مجلس يليق بإدارة العاصمة وإنمائها، تواجه دعوات مُنظّمة لفرض المناصفة الطائفية في مجلس بلدي مشلول بما يخالف روح الدستور، الاستمرار بتقويض صلاحيات رئيس البلدية، وتحويلها إلى المحافظ المعين، في انتكاسة صارخة لمبدأ الانتخاب والمساءلة، غياب أي استعداد تقني أو تنظيمي يقي الانتخابات من سيناريو طرابلس من التأخير، التشكيك... فالانفجار.
فهل ما نشهده في طرابلس هو ارتباك تقني، أم ترجمة ميدانية لأزمة نظام الامتيازات التي تمنع تحديث الدولة؟
وما هي جدوى الانتخابات في ظل تحكم إدارات سياسية وأمنية لا تخضع للمساءلة الشعبية؟
وهل ستمرّ بيروت بما مرت به طرابلس؟ أم أن غياب المعالجة الجذرية سيحوّل كل استحقاق انتخابي إلى معركة بقاء فوق ركام ديمقراطي هش؟
الانتخابات ليست فقط مناسبة لملء المقاعد، بل هي ميزان الشرعية في أي نظام، وإذا فقد هذا الميزان دقته، بفعل التسييس، والتأخير، والتلاعب، فإن الشعب لن ينتظر طويلًا... بل سينفجر!
طرابلس قالت كلمتها، فهل تسمعها بيروت؟ وهل من يصغي في دولة تحتكم لصناديق شكليّة مغلقة لا لصوت ومصالح الشعب؟ بعيدًا عن مفاهيم ومنطقيّة عمل المؤسسات الديمقراطيّة الراعيّة وأسس بنائها.
0 تعليق