نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
ورثة رقميون وأشباح ناصحة: الموت لم يعد النهاية - تكنو بلس, اليوم الخميس 15 مايو 2025 09:20 صباحاً
كان من المعتاد أن يموت الإنسان، وتُدفن معه قصصه، صوته، وحتى ملامح شخصيته. لكن ماذا لو توقف الموت عن كونه نهاية؟ ماذا لو عاد الجد ليخبر حفيدته كيف يُصلَح صنبور الماء، أو لتقديم نصيحة عن الحب؟ هذا ليس مشهدًا من فيلم خيال علمي، بل سيناريو واقعي يتشكل تدريجيًا بفضل الذكاء الاصطناعي.
ما يُعرف اليوم بـ"الأشباح التوليدية" لم يعد مجرد فكرة افتراضية. إنها نسخ رقمية من الراحلين، تُصمّم لتحاكي أصواتهم، سلوكهم، وحتى طريقة تفكيرهم. في بعض الحالات، تتطوّر هذه الأشباح لتصبح مساعدين رقميين، يتحدثون، يعلّمون، ويقدّمون النصائح، بل وقد يكسبون المال لعائلاتهم بعد موتهم.
تقوم هذه التقنية على تدريب نماذج ذكاء اصطناعي على بيانات شخصية من الشخص المتوفى أو من يرغب في حفظ إرثه قبل وفاته: تسجيلات صوتية، مقابلات طويلة، صور، وسرد للذكريات. بعد الوفاة، تصبح هذه المادة الخام وسيلة لبناء كيان رقمي يمكن التفاعل معه – نسخة رقمية تحاكي الأصل بدقة مدهشة.
شركات ناشئة دخلت هذا المجال فعليًا، مثل "Re;memory" التي تُجري مقابلات تستمر لعدة ساعات لتكوين أرشيف تفاعلي رقمي، وتطبيق "HereAfter AI" الذي يبني شخصية رقمية قائمة على المحادثة. النتيجة هي روبوت محادثة يمكن للعائلة التفاعل معه، ليس فقط لاستعادة الذكريات، بل لمتابعة أخبار العائلة أو الحديث عن مناسبات حالية.
HereAfter AI
بعض الثقافات، خصوصاً في شرق آسيا، أبدت تقبّلاً أكبر لهذه الفكرة نظراً لوجود تقاليد راسخة في التواصل الرمزي مع الأجداد. أما في المجتمعات الغربية، فيعتمد الأمر أكثر على مواقف الأفراد من التكنولوجيا والموت والفقد.
لكن الأمر يتجاوز الجانب العاطفي؛ الأشباح التوليدية قد تُكلّف بمهام عملية. يمكنها شرح إجراءات إدارية، مشاركة وصفات طعام منزلية، أو تقديم نصائح مهنية، خاصة إذا كانت تستند إلى شخصية خبير أو متخصص. من غير المستبعد أن نرى "أشباحًا عاملة" تكتب كتبًا، تُدرّس مواد، أو تُنتج موسيقى جديدة باسم أصحابها الراحلين.
مع ذلك، لا تخلو هذه الظاهرة من المخاطر. أولها التعلّق العاطفي بكائن رقمي لا يمكنه أن يحل محل الشخص الحقيقي. كما أن هذه النماذج قد تعاني من ما يُعرف بـ"هلوسات الذكاء الاصطناعي"، فتُنتج معلومات خاطئة، أو تعبر عن أفكار لم تكن أصلًا من صُلب شخصية المتوفى، ما قد يؤدي إلى تشويه صورته أو كشف أسرار مدفونة.
الأسوأ من ذلك أن تُستغل هذه الأشباح لأغراض ضارة، كالمضايقة بعد الوفاة، أو بث رسائل عدائية، أو حتى تنفيذ أنشطة مشبوهة باسم شخص ميت. وهنا تظهر الحاجة إلى تأطير قانوني وأخلاقي يواكب هذا التطور غير المسبوق.
في النهاية، يبدو أننا مقبلون على مرحلة جديدة يعاد فيها تعريف "النهاية". لم يعد الموت قاطعًا كما عرفناه. في زمن الذكاء الاصطناعي، قد يصبح الموتى أكثر حضورًا من الأحياء – ينصحون، يتحدثون، يشاركون، وربما يعملون... من العالم الآخر.
0 تعليق