نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
بلديات 2025... هل يقلب الشباب الطاولة؟ - تكنو بلس, اليوم الأربعاء 14 مايو 2025 10:50 صباحاً
يخوض لبنان في شهر أيار الانتخابات البلدية والاختيارية، التي تمتد على مدار أربعة أسابيع، وذلك في أول استحقاق بلدي من نوعه منذ عام 2016. وقد جرى تأجيل هذه الانتخابات مرتين؛ الأولى في عام 2022 لتزامنها مع الانتخابات النيابية، والثانية في عام 2023 بسبب عدم تمكن الدولة من تأمين التمويل المطلوب.
وفي إطار رصد توجهات الشباب اللبناني ومدى انخراطهم في الأجواء الانتخابية الراهنة، استطلعت "النهار" شريحة من الشباب من مختلف المناطق اللبنانية، ممن يستعدون لخوض تجربتهم الأولى في التصويت خلال الانتخابات البلدية والاختيارية لعام 2025.
وقد تبين أن غالبية الشباب الذين ينوون التصويت في الانتخابات البلدية والاختيارية مدفوعون أساساً بسببين رئيسيين: الرغبة في إحداث تغيير فعلي في منطقتهم، والإيمان بأهمية ممارسة حقهم الديموقراطي. في المقابل، عبّر الممتنعون عن تصويتهم عن فقدانهم الثقة بالمرشحين، إضافة إلى شعورهم بأن مشاركتهم لن تُحدث فرقاً ملموساً.
أشار عدد من المشاركين إلى غياب التمثيل الكافي للشباب في المجالس البلدية والاختيارية الحالية، وأبدوا تأييدهم لفكرة تخصيص "كوتا شبابية" لضمان صوتٍ فعّال لهم في صنع القرار المحلي.
ولفت بعضهم إلى نقص معرفتهم بالعملية الانتخابية، لا سيما في ما يتعلق بقوانينها والمرشحين أنفسهم، ما يعكس الحاجة إلى مزيد من التوعية. وقد تكررت المطالبة بإصلاحين أساسيين: الحد من التدخلات الحزبية والطائفية، وتعزيز الشفافية في مجريات العملية الانتخابية. واعتبر عدد من المشاركين أن الانتخابات البلدية والاختيارية تُشكّل ركيزة أساسية لا تقل أهمية عن الانتخابات النيابية في رسم مستقبل البلاد.
تقول بترا حلبي، 22 عاماً، مهندسة، إن المشاركة في الانتخابات ليست مجرد واجب وطني، بل حق أساسي يتيح لنا اختيار من يمثلنا في موقع السلطة داخل البلدية. وتشير إلى أنها أدلت بصوتها بالفعل في الأسبوع الأول من أيار ضمن انتخابات جبل لبنان. وتعبّر عن قلقها حيال ظاهرة الرشاوى وشراء الأصوات التي شاهدتها بنفسها، معتبرة أنها تُحبط الشباب وتزعزع ثقتهم بفعالية تصويتهم، في ظل الأموال التي تُدفع لضمان فوز بعض المرشحين. وتؤكد بترا على أهمية معالجة هذه التجاوزات، "كي لا تتحوّل الانتخابات إلى مجرد مسرحية شكلية".
كارين قسيس، 23 عاماً، تقول إن بلدية قرطبا كانت تفوز بالتزكية منذ 21 عاماً، "لكن هذا العام ظهرت لائحة ثانية، فاخترت الاقتراع لها لإعطاء فرصة لمرشحين جدد قد يتمكنون من إحداث تغيير في قريتنا". وترى أن من أبرز العوامل التي قد تشجّع الشباب على المشاركة في التصويت هو أن يعرّف المرشحون عن أنفسهم بشكل كافٍ وواضح، بدلاً من الاكتفاء بمقطع مصوّر يُنشر عشية الانتخابات على "إنستاغرام" أو غيره من المنصات.
تعبيرية (انترنت)
تُعد الانتخابات البلدية في لبنان من الأحداث التي غابت عن المشهد السياسي لمدة تقارب تسع سنوات، وهو زمن طويل يعكس تغييرات جوهرية شهدها لبنان على المستويين الداخلي والخارجي. بعد حراك 2015 وحراك 2019، وازدياد المبادرات ودور الشباب، برزت عوامل أدت إلى تراكم الوعي وتثبيت حضور الشباب في الانتخابات، وفق ما يؤكد أيمن دندش، المتخصص بشؤون الحوكمة والإدارة المحلية.
تحولت مفاهيم التنمية اليوم من مجرد التركيز على التنمية المادية إلى مفهوم التنمية البشرية المستدامة، التي تشمل مختلف المجالات، وتتطلب إدارة الملفات الحديثة مثل البيئة والتطور العلمي، مع ارتفاع مستوى التعليم بين الشباب. هذا الدفع يدفع بالأجيال الشابة للتواجد بشكل أكبر في معادلة القرار، إذ ترى أن البلدية تمثل أول إدارة رسمية يتعامل معها المواطن، وتعد نقطة انطلاق للتغيير. فالتغيير على مستوى السلوك المجتمعي محلياً، يمهد لبداية تحول وطني أوسع.
البلدية تشكل السلطة الأولى التي يلمس المواطن خدماتها مباشرة، وأي نقص في هذه الخدمات يضاعف التواصل معها، بحيث يتوجه المواطن مباشرة إلى البلدية، بينما يكون الأمر أكثر تعقيداً مع الوزارات أو النواب. ويضيف دندش أن الناس كانت مدى سنوات تجهل أهمية الدور البلدي، وكانت تتعامل مع المجالس البلدية باعتبارها منصباً ووجاهة، لكن الواقع الآن تغير.
تحديات كبيرة تواجهها البلديات
بالنظر إلى الوضع الاقتصادي المتأزم، فإن الانتخابات الحالية تُجرى في ظل أوضاع مالية غير مستقرة، تفتقر فيها البلديات إلى الميزانيات الكافية، مما يحتم على الجيل الشاب ابتكار حلول خارج إطار الدعم الحكومي، مع أن القانون البلدي يمنح مجالاً بعيد المدى للتنمية الاقتصادية والاستثمارية.
وتبرز قضية التواصل مع المغتربين، إذ أن وجود فرق بين مجلس بلدي شبابي وآخر يتبع نهج الهرم القيادي، يؤثر على طريقة التواصل مع مغتربي القرى، ويحد من استقطابهم للمشاركة. وهنا، يشير دندش إلى خطوات لتعزيز مشاركة الشباب في التصويت.
- الانتخاب حق ديموقراطي يجب ممارسته: الانتخاب هو حق وأداة لمحاسبة المجلس البلدي السابق. يشدد دندش على أنه "يجب أن أعبر عن رأيي ولو بورقة بيضاء". ويؤكد ضرورة أن يمارس الشاب حقه بالاقتراع، لأنه في المرحلة الأولى، إن لم يفعل، يُقال له: "أنت أصلاً لم تنتخب، فلم تحاسب الآن؟".
- الصوت له فرق على مدة 6 سنوات: في الانتخابات النيابية، قد يكون أصعب أن تلمس الفرق، لأن النائب تشريعي، بينما البلدية سلطة تنفيذية. وبالتالي، فإن صوتك سيكون له انعكاس واضح ابتداءً من اليوم التالي للانتخاب.
- التذمر والجلوس جانبا غير مقبول: من غير المقبول للشباب أن يعبروا عن عدم رضاهم على المجلس البلدي ويقفوا متفرجين، متجاهلين فرصة إحداث فرق سواء بالتصويت أو الترشيح. التذمر ليس حلاً، بل العمل والمشاركة هما الطريق الحقيقي للتغيير.
- المفهوم القبلي: خصوصاً في القرى، يوجد كبير العائلة الذي يحدد ويقرر لمن يكون التصويت، لكن الأمور اختلفت الآن. كانت الصوت سابقاً من نصيب الدكتور في العائلة، أما اليوم، فكل العائلة دكاترة، ومع التحديات مثل كورونا، والحرب الإسرائيلية الأخيرة، والمبادرات الشبابية التي خففت من حدة هذه الأزمات، انقلبت الصورة، ولم يعد الشباب يقبلون أن يكونوا مجرد متفرجين. وهذا يترجم اليوم عبر كلمة "لا"، التي ظهرت بعد عام 2019، وفتحت المجال أمام الشباب للعمل ضد ضعف المجلس البلدي. تختلف التأثيرات الحزبية والقبلية من منطقة الى أخرى، وتغيير سلوك الناس يتطلب وقتاً، وليس عبارة عن مجرد "قلب الصفحة". هناك عادات عمرها سنوات، وتحتاج زمناً للتحرر منها، لكن للشباب دور ينبع من دواخلهم برفض الوصايات والإملاءات، وهو أمر قابل للتحقيق.
- تعزيز مفهوم دور البلديات ودور المواطن حيال البلدية والعكس: نحن نعاني أحياناً من سوء فهم لمفهوم المواطنة. كيف يعرف الناس اليوم دور البلديات؟ غالباً من خلال التعليم المدرسي، لكن المناهج الدراسية لا توفر المعرفة الكافية. حتى اليوم، الناس لا يدركون حجم الفرق الذي يُحدثه صوتهم خلال 6 سنوات. من الضروري التركيز على التثقيف حول مفهوم دور البلديات، ودور المواطن، بهدف تعزيز مشاركة الشباب في التصويت. ومجدداً، التغيير يجب أن ينبع من قرار الشباب أنفسهم.
يختتم دندش قائلاً: "رئيس البلدية يُشبه رئيس الجمهورية على مستوى القرية أو المدينة، ومن غير المقبول أن تقتصر مؤهلاته على أن يكون قادراً على القراءة والكتابة فقط".
تعديلات ضرورية على القانون البلدي: خطوة لتعزيز المشاركة والثقة
يُعتبر إدخال بعض التعديلات على القانون البلدي خطوة ضرورية قد يكون لها أثر إيجابي كبير في تحسين أداء المجالس البلدية، وزيادة ثقة المواطنين بها، وتحفيز المشاركة الشعبية في الانتخابات، ولاسيما الشبابية منها وهي الفئة التي تتلقف التغيير عادة بسرعة وبشغف. وفي هذا الإطار، يقدّم الأستاذ عزّام عبّاني، الحائز على ماجستير في الحقوق والمحامي لدى محكمة الاستئناف، عدداً من المقترحات، أبرزها:
- إتاحة الاقتراع في مكان الإقامة الفعلي وليس فقط في مكان القيد، ما يخفف الأعباء عن الناخبين، وبخاصة على صعيد التنقل والمواصلات.
- انتخاب رئيس البلدية ونائبه بالاقتراع المباشر، ما يعزّز الشرعية التمثيلية ويقلل من التجاذبات داخل المجالس.
- إعادة النظر في العلاقة بين البلدية والسلطة المركزية من خلال توسيع الصلاحيات وتعزيز مفهوم اللامركزية الإدارية.
- اعتماد نظام "الميغاسنتر" لتسهيل عملية الاقتراع وتنظيمها بفعالية أكبر.
- اعتماد اللوائح المقفلة شرط ألا يقل العدد عن ثلاثة.
- في حال استقالة أحد الأعضاء، يتم تلقائياً تعيين الخاسر الأول في الانتخابات مكانه، ما يضمن استمرارية العمل داخل المجالس ويمنع حدوث فراغ إداري.
يقول الشاعر الألماني يوهان غوته: "يتوقف مصير كل أمة على شبابها.". وانطلاقا من هذه الحكمة، فإن تعزيز مشاركة الشباب في العملية الانتخابية ليس مجرد خطوات تُقطع نحو صناديق الاقتراع، بل هو تقدم فعلي نحو مستقبل جديد، يُكسر فيه روتين التكرار القاتل، ويُكتب فيه تاريخ مختلف لا يعيد أخطاء الماضي.
تم إعداد هذا التقرير ضمن مشروع “إصلاح الإعلام وتعزيز حرية التعبير في لبنان”.
موّل الاتحاد الأوروبي هذا التقرير . وتقع المسؤولية عن محتواه حصرًا على عاتق ”مؤسسة مهارات“ وهو لا يعكس بالضرورة آراء الاتحاد الأوروبي.
0 تعليق