نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
ديمقراطية بلا وعي: فوضى باسم الحرية - تكنو بلس, اليوم الأحد 11 مايو 2025 02:39 مساءً
كثيرًا ما يُروَّج في عالمنا العربي للديمقراطية باعتبارها الحل السحري لجميع مشكلاتنا السياسية والإجتماعية ، وكأن مجرد إقامة انتخابات دورية كفيل ببناء دولة حديثة قوية. غير أن هذا الفهم السطحي والمستورد للديمقراطية قد أوقعنا في مشكلات أعمق، وخَلق حكومات هشة، ومجالس تشريعية مشوشة، ومجتمعًا متنازعًا بين حرية غير مسؤولة، وقيم تنهاروتنحدر تحت وهم الحداثة.
الديمقراطية في جوهرها تختلف تمامًا عن مبدأ الشورى الذي هو من ثوابت الإسلام وأخلاقياته. فالشورى تقوم على التشاور مع أهل العقل والخبرة، الذين يخافون الله ويحرصون على مصلحة الأمة والوطن، لا على كسب أصوات الجاهلين أو إثارة العواطف والغرائز. في حين أن الديمقراطية الغربية تعتمد على الكمّ لا الكيف، فصوت الجاهل يُساوي صوت العالم، وصوت صاحب المصلحة المُتنفّع يساوي صوت الوطني الحر المخلص، ما يفتح الباب لوصول غير المؤهلين إلى مراكز صنع القرار، فقط لأنهم استطاعوا كسب أغلبية الأصوات، بأي وسيلة كانت.
هذه الديمقراطية المستوردة لا تتلاءم مع بيئتنا الثقافية والاجتماعية، لأننا لم نُؤسس بعد لثقافة ديمقراطية واعيه حره حقيقية. فمعظم الناس يصوّتون بدافع قبلي أو جهوي، ويغيب الوعي السياسي الناضج عن شريحة واسعة من المجتمع. كما تسود المحسوبيات والولاءات الضيقة، ويتفشى المال السياسي لشراء الأصوات والتأثير على نتائج الانتخابات، في ظل غياب قوانين صارمة أو رقابة فاعلة. هكذا تتحول الديمقراطية من وسيلة لبناء الدولة إلى أداة لهدمها من الداخل.
ولعل أبرز انعكاسات هذا الخلل تظهر في المجالس المنتخبة، وعلى رأسها مجلس النواب الأردني، الذي يعاني من تشوّه وغياب الانسجام، وكثرة المهاترات، وضياع الوقت في السجالات العقيمة التي لا تخدم المواطن ولا تعزز هيبة الدولة. بدل أن تكون هذه المجالس منابر للعقل والحكمة والتربيه الوطنيه والقيم الانسانيه للسياسيه الاخلاقيه، أصبحت منصات للانفعال وتظاهرات الولاء، والمصالح الضيقة، والعرض الإعلامي. وتتفكك هذه المجالس إلى كتل جهوية متصارعة، لا تملك مشروعًا وطنيًا مشتركًا، بل تسعى كل جهة إلى فرض رؤيتها بمنطق القوة لا الحجة، والولاء لا الكفاءة.
هذا الواقع يفرز حالة سياسية متوترة، تضرب هيبة الدولة، وتفقد المواطن ثقته بالمؤسسات المنتخبة، وتدفعه إلى العزوف عن المشاركة السياسية ومنادة البعض بحل المجلس، لأنه لم يرَى نتائج ملموسة تُحدث فرقًا في حياته. كما أن هذه الفوضى تضعف الرقابة البرلمانية على أداء الحكومة، فتُترك السلطة التنفيذية دون مُساءلة حقيقية، ما يُعمّق الفساد، ويُفرغ الديمقراطية من مضمونها.
وفي ظل هذا الانحدار في البنية السياسية، تظهر أزمة أخرى أكثر خطورة: الحرية غير المنضبطة. ففي الديمقراطية الغربية، الحرية مطلقة، لكنها محكومة بثقافة وقانون مستقر. أما في مجتمعاتنا، فحين تُمارَس الحرية دون ضوابط دينية أو أخلاقية، تصبح وسيلة لانهيار القيم، وانتشار قلة الحياء، والجهر بالمعاصي، وإثارة الفتن بين الناس. نرى البعض يهاجم الثوابت باسم حرية التعبير، أو يُسيء للأخلاق العامة باسم الانفتاح. بينما الإسلام لا يعارض الحرية، بل يضبطها بضوابط تحفظ للمجتمع تماسكه، وتمنع الضرر، وتربط الحقوق بالواجبات.
إن السؤال الذي يجب أن نطرحه بجدية اليوم: هل الديمقراطية – بصيغتها الغربية المستوردة – هي الخيار المناسب لمجتمعاتنا؟ أم أننا بحاجة إلى بناء نموذج خاص، مستمد من قيمنا، يقوم على الشورى الحقيقية، والحرية المسؤولة، والعدالة التي لا تساوي بين الفهيم والجاهل البليم، وبين الوطني والمصلحي؟
ما نحتاجه ليس استيراد أنظمة جاهزة لا تناسبنا، بل بناء وعي سياسي حقيقي، وتربية مجتمعية عميقة، وبناء مؤسسات وطنيّة شفافه نزيهة، تفرز القادرين على حمل أمانة الحكم والتشريع. فالديمقراطية ليست صندوقًا انتخابيًا فقط، بل منظومة ثقافية وقيمية، إن لم تكن متجذرة في الأرض التي تُزرع فيها، فإنها ستثمر فوضى لا بناء، وصراعًا لا استقرار فديمقراطية بلا وعي ولا بنية، حلقة مفرغة، ننتخب فيها الفوضى باسم الحرية، وننتج الضعف باسم الإصلاح.
قدمنا لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى هذا المقال : ديمقراطية بلا وعي: فوضى باسم الحرية - تكنو بلس, اليوم الأحد 11 مايو 2025 02:39 مساءً
0 تعليق