نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
زيارة ترامب المصيرية إلى الخليج: نقلة استراتيجية مع الشقّ العربي ودعوة إلى إيران للالتحاق بالمركب وإلّا الغرق! - تكنو بلس, اليوم الأحد 11 مايو 2025 05:17 صباحاً
زيارة الرئيس دونالد ترامب إلى السعودية والإمارات وقطر مؤهلة لأن تكون مصيرية ليس لدول الخليج العربي فحسب، وإنما أيضاً للجمهورية الإسلامية الإيرانية ولدول المشرق العربي ولإسرائيل. فالعلاقات الثنائية، بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية لها بعدٌ إقليمي نظراً لنفوذ الرياض خليجياً وعربياً وإيرانياً، وبعدٌ دولي بسبب الدور الذي صقلته المملكة لنفسها كعرّاب للديبلوماسية الأميركية مع روسيا وربما الصين. إيران ستكون حاضرة في زيارة الرئيس ترامب مجازياً، ولربما يتطوّر حضورها إلى درجة عقد لقاء قمة بين الرئيس الأميركي والرئيس الإيراني، إذا ما حدث اختراق جديّ في المفاوضات الأميركية- الإيرانية وفي عقليّة وعقيدة أركان النظام في طهران. تركيا أيضاً حاضرة مجازياً عبر البوابة السورية بشكل خاص سيّما وأنّ الرئيس السوري أحمد الشرع يلتقط كل الخيوط الإقليمية والدولية ليثبت جدارته في قيادة سوريا بعيداً عن التطرّف باتجاه التأقلم مع جيرته التركية والإسرائيلية واللبنانية بعيداً عن الحروب والإملاء والتوتر. مصر وغزة ستكونان حاضرتين وكذلك اليمن ولبنان والعراق- حيث الأذرع والوكلاء لإيران. فلنتعمق قليلاً في آفاق هذه الزيارة التاريخية.
مهمة جداً الوساطة السعودية الهادئة وراء الكواليس بين إدارة ترامب والرئاسة الإيرانية، والوساطة العمانية المباشرة والعلنية المتمثلة في دور مسقط بدفع المفاوضات الأميركية- الإيرانية إلى عتبة جديدة. كلا الدورين يسجلان تغييراً أساسياً في دينامية العلاقة الأميركية مع إيران، وليس فقط مع الدول الخليجية العربية. هذا جديد ومميز لأن الإدارات السابقة، بالذات إدارة باراك أوباما، تعمّدت استبعاد الدول العربية عن حديثها مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بل عقدت اتفاقيات مع طهران- كالاتفاقية النووية- بتهميش للدول الخليجية العربية ومصالحها الوجودية.
اليوم، تلعب السعودية أدواراً قيادية أساسية للطروحات الأميركية في الشرق الأوسط والخليج، أدواراً تلطّف الأجواء مع إيران بعيداً عن الاسترضاء بأي ثمن، أدواراً واضحة في رؤية وخريطة لمنطقة الخليج والشرق الأوسط تشارك الدول الإقليمية الكبرى في رسمها بهدف تحقيق الأهداف التنموية والسلمية، بدلاً من الاستقطاب والاستنزاف والحروب الدموية. منطقة جاهزة للاستثمارات والمشاريع التي تقرأ المستقبل وترافق احتياجاته لتفرض نفسها برؤيوية.
جميل ذلك التكامل بين دول مجلس التعاون الخليجي الست: السعودية، الإمارات، قطر، عمان، الكويت والبحرين. قد يقال إن هناك تنافساً وتسابقاً وفي بعض الأحيان خلافاً على مناطق النفوذ واختلاف بين الدول الست إفرازاته سيئة حان وقت لجمها. الأبرز هو مستوى التكامل ليس محلياً فحسب وإنما في العلاقات مع الدول الكبرى، في طليعتها الولايات المتحدة والصين وروسيا وأوروبا والهند واليابان وأذربيجان ومختلف الدول الآسيوية.
أذربيجان تسعى لصقل دور وساطة لنفسها، وقد اختارت استضافة محادثات بين تركيا وإسرائيل حول سوريا، وذلك للمرة الثالثة. العلاقة التركية- الإسرائيلية مرشحة للتوتر في سوريا بسبب تنافس مصالحهما. هناك من يعتقد أن خطر التصادم التركي- الإسرائيلي في سوريا قائم وبمستوى عال.
العكس هو الصحيح، في نظري، إذ أرى أن هناك تنسيقاً خفياً دائماً بين تركيا وإسرائيل ساهم، في الواقع، في إنجاح الجهود التركية لإزالة حكم بشار الأسد وفي تحقيق هدف إسرائيل لإبعاد إيران و"حزب الله" عن الساحة السورية.
الدول الخليجية العربية نحتت لنفسها أدواراً مختلفة ومتجانسة في سوريا، كل منها على طريقته. السعودية أدركت ضرورة إبقاء سوريا في الحضن العربي، فاستمالت الشرع بكل الوسائل، بدلاً من تركه في الحضن التركي. حرصت دول مجلس التعاون الخليجي على تنسيق الأدوار بقدر المستطاع في الشأن السوري، متجنبةً الصراعات التقليدية بالذات تلك المتعلقة بجماعة "الإخوان المسلمين" الذين يهددون مستقبلاً مدنياً وزاهراً لسوريا.
تحدي الرئيس السوري أحمد الشرع هو إيضاح هويته وهوية سوريا كدولة مدنية وكرجل انتقل فعلاً من تاريخه في "هيئة تحرير الشام" إلى سدة الرئاسة. هذا ما تصفه القيادات الغربية بامتحان السلوك للرئيس السوري واستمراره في النهج الجديد الذي تبناه والذي يتطلب بالضرورة أن يتمكن من محاربة داعش ومن احتواء الجماعات المتطرفة التي كان في مخيمها سابقاً، أو التصدي لها بجديّة وحزم قبل أن تمزّق النسيج الاجتماعي لسوريا.
أحمد الشرع يود الاجتماع بدونالد ترامب أثناء زيارته المنطقة وفي أيّ محطة شاء، السعودية أو الإماراتية أو القطرية. ليس واضحاً عند كتابة هذا المقال إن كان ذلك اللقاء وارداً، وفي أيّ عاصمة أو إطار. الواضح أن السعودية والإمارات تعملان على تحقيق تلك النقلة النوعية بين إدارة ترامب وسوريا، وكلاهما يدركان أن العلاقة بين سوريا وإسرائيل أساسية في إقناع الولايات المتحدة بتغيير نهجها نحو سوريا.
السعودية واضحة وثابتة في موقفها بأنها على استعداد لفتح صفحة التطبيع مع إسرائيل شرط أن تقبل إسرائيل بدولة فلسطينية. إنها جاهزة لتنفيذ دورها في "صفقة القرن" التي يريدها دونالد ترامب ويصر عليها فقط إذا تمكّن من الضغط الجديّ على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ليكف عن إبادة الفلسطينيين وليهبط من أعلى سلم الغرور الذي مكّنه دونالد ترامب من صعوده.
الإمارات التي طبّعت علاقاتها مع إسرائيل بموجب الاتفاقيات الإبراهيمية تلعب دوراً الآن في التمهيد لتوسيع الحلقة العربية كوسيلة وأداة من أدوات ضغط دونالد ترامب على إسرائيل لتسلّم بالحقوق العربية، إذا شاءت السلام والتطبيع معها. سوريا في المقدمة، ولذلك سهّلت الإمارات التواصل غير المباشر بين سوريا وإسرائيل، كما أكد الشرع أن التواصل تم عبر وساطة لم يسمِّها من أجل احتواء التصعيد.
سوريا حلقة أساسية في تحقيق "صفقة القرن" التي تقوم على فكرة ترامب لبناء شرق أوسط جديد. أساسية في منع عودة التوسع الإيراني في سوريا واستعادة "الحرس الثوري" النفوذ والإملاء في سوريا ولبنان. أساسية لتمكّن السعودية وغيرها من الدول العربية من اتخاذ خطوة نحو التطبيع مع إسرائيل انطلاقاً من ترسيم حدود سورية- إسرائيلية وكذلك لبنانية- إسرائيلية وإنهاء النزاع. لذلك، إن فكرة اللقاء بين الرئيس الأميركي والرئيس السوري أثناء زياراته إلى الدول الخليجية الثلاث، واردة جداً.
لبنان أيضاً موجود على الأجندة الأميركية- الخليجية لأنه بدوره مفتاحٌ في بناء الشرق الأوسط الجديد. الجهود الأميركية لإنجاح انتقال لبنان إلى دولة طبيعية واضحة، وكذلك الجهود الخليجية، والسعودية بالذات. سوريا تحت المجهر في إطار العلاقة الثنائية مع لبنان والتي يجب انتقالها جديّاً إلى خانة طبيعية، ولذلك على الرئيس الشرع الإسراع في عملية ترسيم الحدود السورية- اللبنانية. فلقد تم عملياً فك ارتباط المسارين السوري واللبناني نحو السلام مع إسرائيل، إنما تزامن كلاهما يبدو وارداً كأمر واقع، وليس بإملاء من دمشق.
دونالد ترامب غاضب من بنيامين نتنياهو لأسباب تتعلق بأسلوب إسرائيل للضغط على الرئيس الأميركي عبر بوابة الكونغرس وعبر أعضاء في الإدارة الأميركية. ترامب جاهز لتأنيب نتنياهو وتقليم أظافره ودفعه إلى التنازلات، إنما هذا لن يتطوّر إلى مقاطعة إسرائيل ومن الضروري عدم قراءة الكثير في هذه الصفحة المتوترة في علاقات ترامب بنتنياهو.
إنما يبقى مهم جداً أن يكون الرئيس الأميركي مستعداً للضغط على إسرائيل في ملفات سوريا ولبنان وفلسطين؛ ومن هنا برز الكلام عن إمكانية إعلان ترامب خطة خاصة بغزة قبيل أو أثناء زيارته لدول الخليج العربي. الديبلوماسية الخليجية تسعى لتمهيد نقلة في الملف الفلسطيني حيث تبذل قطر- ومصر معها- جهوداً كبرى لإقناع حركة "حماس" بأن الوقت حان لدفن مشاريعها في غزة. الدول الخليجية تضغط أيضاً على السلطة الفلسطينية لتتخذ إجراءات بمستوى التحديات، بدلاً من الاستمرار في النكايات الفلسطينية واللاءات المعتادة. ففلسطين حاضرة بامتياز في مشروع "صفقة القرن" التي ستأخذ موقعاً لافتاً أثناء زيارة ترامب إلى المنطقة والتي يريد جميع الدول الخليجية إنجاحها.
هذه الزيارة تشكّل فرصة تاريخية لإيران إذا أحسن رجال الجمهورية الإسلامية الإيرانية توظيفها بعيداً عن مزايدة ومكابرة "الحرس الثوري" القائم على صنع السياسة الخارجية الإقليمية. فقد حان الوقت لرجال طهران أن يقرّوا بضرورة تعديل عقيدة النظام ليكفوا عن استخدام الوكلاء أذرعاً لهم كالأخطبوط الذي يتمدد في الجغرافيا العربية.
ما حدث في الملف اليمني واستسلام الحوثي الأسبوع الماضي دليل على العزم الأميركي لاستكمال بتر الأذرع الإيرانية في سوريا ولبنان والعراق واليمن. فهذا أيضاً يساعد في تركيز المفاوضات الأميركية- الإيرانية على الملف النووي والصواريخ الباليستية. لا داعيَ للبحث الآن في الأذرع المبتورة لأنها لم تعد ورقة قوية في يد طهران وإنما هي أوراق تخريبية ضعيفة ومشلولة، إن كانت "حزب الله" في لبنان أو الحوثي في اليمن. إنما هذا لا يعني أن التوصّل إلى صفقة أميركية- إيرانية، إذا حدث، سيقتصر على الناحية النووية كما تسوّق إيران. بل إن أي اتفاق سيسلب إيران عملياً من ورقة الوكلاء والأذرع إذا أرادت طهران حقاً أن تلتحق بالقطار الإقليمي الماضي إلى الأمام بقيادة أميركية- إقليمية مشتركة.
دول رائدة كالعراق ومصر ستكون متواجدة بصورة أو بأخرى في زيارة ترامب، لكن إيران ستكون الفيل في الغرفة، تليها إسرائيل وتركيا. كل هذه الدول تغار قليلاً من السعودية لأنها المحطة الأولى لزيارة الرئيس الأميركي ما يبعث رسالة استراتيجية إلى جميع المعنيين عنوانها أنّ الشراكة الأميركية- السعودية هي المفتاح الأهم للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط برمّتها.
هذا لا يعني أن السعودية ستدخل الفلك الأميركي حصراً، ولا يعني أن الولايات المتحدة تتوقع من السعودية أن تكون على عداء مع روسيا أو الصين. بل العكس، ستستمر السعودية في لعب دور المسهِّل للحوار والمباحثات الدولية في استضافةٍ دائمة. ستستمر عمان في تيسير المفاوضات الأميركية- الإيرانية. وستستمر قطر في العمل على فك عقدة "حماس" كي يكون في الإمكان الدفع بفلسطين إلى الأمام. وستستمر الإمارات في مساعدة الانفتاح السوري، وكذلك اللبناني، على إسرائيل تمهيداً لنقل دول المنطقة إلى السلام المنشود.
زيارة الرئيس ترامب لن تكون سياسية وأمنية فحسب، وإنما أيضاً استثمارية وتجارية بامتياز، هذا هو تعريف العلاقة الاستراتيجية في قاموس ترامب، وهذا ما ينوي إبرازه في زيارته في 16 الشهر الجاري. فهو قد سجّل ذلك الإنجاز والاختراق الذي كان ينتظره عندما استسلم الحوثي وتعهّد بعدم التعرض للسفن الأميركية والملاحة الدولية، ما يسنح للرئيس الأميركي إعادة حاملات الطائرات إلى مرافئها وخفض الكلفة على الولايات المتحدة.
والآن، يُبحر الرئيس الأميركي إلى الخليج العربي رافعاً أمام إيران جزرة الالتحاق بمركبه بكل الفوائد لها، وإلاّ لن تفوتها سفينة الإنقاذ فحسب، وإنما ستجد نفسها بمفردها وسط رياح وعواصف صاخبة.
0 تعليق