في خطوة غير مسبوقة على مستوى العلاقات بين أنقرة وبغداد، أعلنت تركيا تعيين وزير الغابات والمياه السابق فيسيل إيروغلو مبعوثًا خاصًا للرئيس رجب طيب أردوغان لدى العراق، بصلاحيات موسعة تتجاوز الإطار التقليدي للسفارة التركية في بغداد.

وبحسب وسائل إعلام فإن القرار، الذي نُشر في الجريدة الرسمية التركية، جاء بالتزامن مع زيارة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى أنقرة، ما يضفي على التوقيت أبعاداً سياسية واضحة.

المبعوث الجديد، الذي شغل منصب وزير بين عامي 2011 و2018، سيقود ملفات حساسة تشمل الأمن الإقليمي، وتقاسم الموارد المائية، والتعاون الاقتصادي، بالإضافة إلى جهود إعادة الإعمار.

وبحسب ما ورد في الجريدة الرسمية، فإن التعيين يعكس رغبة أنقرة في تعزيز علاقاتها مع العراق ضمن المتغيرات الإقليمية.

نفوذ جديد لـ تركيا في العراق

تعيين ممثِّل خاص لرئيس الدولة في بلد مجاور، خارج الأطر الدبلوماسية التقليدية، يعد مؤشراً على رغبة تركيا في لعب دور مباشر ومتقدم في الساحة العراقية.

فالعراق، بتركيبته الجغرافية والسياسية والاقتصادية، يمثل عمقاً استراتيجياً لأنقرة، ويشكل محوراً أساسياً ضمن الرؤية التركية للأمن القومي والتمدد الاقتصادي.

وبينما يشهد العراق مرحلة تحولات سياسية في ضوء الانتخابات التشريعية المقبلة، يبدو أن تركيا تستبق هذه المرحلة بإعادة ترتيب أدواتها في بغداد، عبر شخصية تملك خبرة تقنية ودبلوماسية، وقادرة على إدارة ملفات شائكة تعيق تطور العلاقات الثنائية منذ سنوات.

ملفات شائكة على طاولة مبعوث تركيا في العراق

أبرز القضايا التي سيواجهها المبعوث التركي تتمثل في الملف الأمني، خاصة في ما يتعلق بوجود حزب العمال الكردستاني داخل الأراضي العراقية. فتركيا تصنف الحزب كمنظمة إرهابية، وتنفذ عمليات عسكرية متكررة في شمال العراق، لا سيما في إقليم كردستان، الأمر الذي تعتبره الحكومة العراقية انتهاكاً لسيادتها، وتطالب بوقف هذه العمليات أو التنسيق المشترك بشأنها.

كما يبرز ملف المياه كأحد أكثر الملفات تعقيداً في العلاقة بين البلدين، في ظل اتهامات عراقية لتركيا بتقليص حصة البلاد المائية من دجلة والفرات، عبر مشاريع السدود الضخمة، مما فاقم أزمة المياه داخل العراق. أنقرة، من جانبها، تدعو إلى إدارة مشتركة للمياه، وتعتبر أن التغير المناخي هو السبب الرئيسي لتراجع منسوب الأنهار.

زيارة السوداني لـ تركيا

زيارة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى تركيا، والتي رافقها وفد رفيع المستوى، تأتي في إطار محاولات لحل الملفات العالقة وتوقيع اتفاقيات جديدة في قطاعات النقل والطاقة والمياه. كما يطمح الطرفان إلى تنشيط “مجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى” عبر توقيع مذكرات تفاهم.

وفي هذا السياق، يبرز مشروع “طريق التنمية” الذي تسوقه بغداد كمشروع استراتيجي يربط الخليج العربي بأوروبا عبر الأراضي العراقية والتركية، ويهدف إلى تحويل العراق إلى مركز إقليمي للنقل والتجارة.

مبعوث جديد لـ تركيا في العراق لماذا لأن ؟

اختيار أنقرة لهذا التوقيت في تعيين مبعوث خاص يعكس إدراكاً تركياً لحجم التحولات المرتقبة في العراق، وسعياً لترسيخ النفوذ قبل مرحلة سياسية جديدة. كما يشير إلى أن تركيا ترى في الحلول الدبلوماسية التقليدية غير كافية لإدارة علاقاتها مع العراق، في ظل تعدد الجهات الفاعلة داخل البلاد وتعقيدات البيئة السياسية والأمنية.

الخطوة التركية لا تخلو من رسائل إقليمية، خاصة تجاه إيران، التي تنظر إلى العراق باعتباره مجالاً حيوياً لها. وبينما تحاول بغداد الحفاظ على توازن دقيق في علاقاتها مع الجيران، فإن المرحلة المقبلة مرشحة لتكون اختباراً حقيقياً لمسار العلاقة بين أنقرة وبغداد، ومدى نجاح المبعوث الجديد في تفكيك الألغام السياسية التي تراكمت عبر السنوات.

اقرأ أيضًا: بعد تصريحات أردوغان.. هل يتخلى العمال الكردستاني عن سلاحه خلال ساعات؟

نسخ الرابط تم نسخ الرابط