أعلنت المفوضية الأوروبية، الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي، اليوم الخميس، أنها بصدد إطلاق نزاع تجاري رسمي ضد الولايات المتحدة في منظمة التجارة العالمية، وذلك ردًا على السياسة الجمركية التي تنتهجها واشنطن والتي وصفتها بروكسل بأنها "متبادلة وغير عادلة"، خاصة فيما يتعلق بالتعريفات المفروضة على السيارات وقطع غيارها. ويأتي هذا التحرك كجزء من تصعيد أوروبي ضد سياسات تجارية أمريكية وصفها الاتحاد بأنها تنتهك قواعد منظمة التجارة العالمية.

في الوقت نفسه، أطلقت المفوضية مشاورات عامة بشأن حزمة من التدابير المضادة، قد تُفرض على واردات أمريكية تصل قيمتها إلى 95 مليار يورو (ما يعادل 107.4 مليار دولار)، في حال فشل المفاوضات الجارية بين الطرفين للتوصل إلى اتفاق تجاري جديد.

قائمة شاملة بالسلع المستهدفة ورسوم انتقامية محتملة

تشمل قائمة السلع التي قد تخضع لإجراءات أوروبية مضادة مئات المنتجات الزراعية والصناعية، إلى جانب مشروبات روحية مثل البوربون والتكيلا. وتُعد هذه الفئة من المنتجات نقطة خلاف بارزة بين الشريكين التجاريين، لا سيما بعد تهديد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في مارس الماضي بفرض رسوم تصل إلى 200% على واردات الكحول من الاتحاد الأوروبي. القائمة المقترحة تشمل أيضًا مكونات رئيسية تدخل في صناعة الطائرات والمركبات، ما قد يؤثر بشكل مباشر على شركات أمريكية كبرى مثل "بوينج".

وأكدت المفوضية الأوروبية في بيان رسمي أن هذه الإجراءات تأتي في إطار رؤية الاتحاد الأوروبي بأن التعريفات الأمريكية تمثل انتهاكًا واضحًا للقواعد الأساسية لمنظمة التجارة العالمية، مشددة على ضرورة احترام النظام التجاري الدولي وعدم تجاوزه من قبل أي دولة عضو، بما في ذلك الولايات المتحدة.

مفوض التجارة الأوروبي يؤكد استمرار المفاوضات مع واشنطن

في مؤتمر صحفي عقد يوم الأربعاء، أوضح مفوض التجارة الأوروبي، ماروس سيفكوفيتش، أن التركيز الأساسي للاتحاد الأوروبي لا يزال منصبًا على التفاوض من أجل التوصل إلى اتفاق، من شأنه تجنب الرسوم الجمركية المتبادلة، خاصة بعد أن فرض ترامب في وقت سابق تعريفات جمركية بنسبة 20% على كافة واردات الاتحاد الأوروبي، و25% على السيارات المستوردة، وهو ما أثّر بشكل مباشر على قطاع صناعة السيارات الأوروبية.

رغم ذلك، أشار سيفكوفيتش إلى أن الاتحاد الأوروبي "يستعد لكل السيناريوهات المحتملة"، تحسبًا لفشل المفاوضات، وضمنًا لاحتمال التصعيد في الإجراءات الانتقامية.

فون دير لاين: الاتحاد الأوروبي ملتزم بالحلول التفاوضية

قالت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، في بيان صدر الخميس، إن الاتحاد الأوروبي لا يزال ملتزمًا تمامًا بالحلول التفاوضية مع الولايات المتحدة، مضيفة: "نعتقد أن هناك صفقات جيدة يمكن التوصل إليها تحقق مصالح المستهلكين والشركات على جانبي المحيط الأطلسي". وجاء هذا التصريح في وقت أعلنت فيه المفوضية الأوروبية تجميد مجموعة أولية من الإجراءات الانتقامية التي سبق الاتفاق عليها في أبريل، لإفساح المجال أمام التفاوض. وكان من المخطط أن تستهدف هذه الإجراءات سلعًا أمريكية بقيمة 21 مليار يورو (24.1 مليار دولار) برسوم جمركية تصل إلى 25%.

الشركات الأمريكية المتأثرة.. وبوينغ في الواجهة

أعربت شركات أمريكية عن قلقها إزاء التداعيات المحتملة لأي تصعيد تجاري مع الاتحاد الأوروبي. وصرّح جون بلوجر، الرئيس التنفيذي لشركة "إير ليز كورب"، خلال مكالمة هاتفية مع محللين بتاريخ 6 مايو، أن أي خطوات قد تؤثر على تسليم طائرات بوينغ إلى أوروبا أو الصين، ستُعد "تحديًا خطيرًا"، حتى وإن كانت مسؤولية التنفيذ تقع على شركات الطيران نفسها.

وأضاف بلوجر أن استمرار فرض التعريفات الجمركية على المدى الطويل قد يدفع شركات صناعة الطيران والفضاء الأمريكية إلى البحث عن أسواق بديلة خارج الولايات المتحدة، وربما إطلاق خطوط إنتاج جديدة لتلبية الطلب خارج الأراضي الأمريكية، في محاولة لتقليل الاعتماد على الأسواق المتأثرة بالقيود الجمركية.

بريطانيا تسبق أوروبا باتفاق تجاري مع أمريكا

وسط هذه التوترات التجارية، تبرز المملكة المتحدة كأول دولة أوروبية من المتوقع أن تتوصل إلى اتفاق تجاري مع الولايات المتحدة. ومن المقرر الإعلان عن هذا الاتفاق رسميًا في الساعة العاشرة صباحًا بتوقيت شرق الولايات المتحدة اليوم الخميس، ما يمثل انفراجة محتملة في العلاقات التجارية بين لندن وواشنطن، في وقت تتصاعد فيه الخلافات مع بروكسل.