نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
كيف ترشحتِ وأنت متزوجة من خارج البلدة؟ ضغوط على لبنانيات يخضن معركة البلدية... وتغيرات ملحوظة - تكنو بلس, اليوم الأربعاء 7 مايو 2025 11:57 صباحاً
"لماذا ترشحت زوجتك وليس أنت؟". تبدأ المرأة، فور الترشح للانتخابات البلدية، بمواجهة العوائق منذ اليوم الأول لإعلان نيتها الترشح. وتختلف العوائق بين منطقة وأخرى، بحسب الظروف المسيطرة.
تروي نانسي فضول، وهي مرشحة عن بلدة تنورين، لـ"النهار"، ضمن لائحة "تنورين قبل الكل"، تجربتها قائلة إنّها ترى أحقّيتها بالعمل في بلديّة ضيعتها مقارنة بغيرها. فهي تسكن فيها، وبالتالي تعرف كلّ ما يحصل فيها، والهموم والمشاكل وما تحتاج إليه هذه البلدة للنهوض: "ما زاد من تشجيعي لاتخاذ هذه الخطوة هو أن الترشيحات البلدية أصبحت تحتوي بنسب كبيرة على الشباب الذين يريدون تغيير واقع ما نعيشه، ويحلمون بمستقبل أفضل".
عن رأيها في تمثيل النساء في المجالس البلدية، تقول فضول إنها ترى تغيراً هذا العام في أعداد المرشحات، ونشهد زيادة ملحوظة لها مقارنة بالسنوات السابقة.
أما العوائق التي واجهتها كامرأة ترشحت للانتخابات البلدية، فتختصرها عبارة "لماذا أنت من ترشحتِ وليس زوجك؟"، والتي تكرّرت على مسامعها فور إعلان خوضها هذه التجربة، رغم أن التغيير ظاهر في عقليّة المجتمع، وفي تجاوبه مع هذا الأمر. "ترشحي حاز تشجيعاً كبيراً وردود فعل إيجابية من مجتمعي، خصوصاً من النساء اللواتي يردن من يمثّلهن"، على قولها.
وترى فضول أن حاجات الأطفال لم تكن ضمن أولويات البلديات في السابق. وهنا تأتي المرأة لتختلف عن الرجل من حيث التطرق إلى حاجات أخرى في المجتمع لم يتم الاهتمام بها. فهي أكثر معرفة بحاجات الأطفال والنساء مثلاً؛ وفي برنامجها الانتخابي مع اللائحة التي تنتمي إليها، خصّص المرشحون والمرشحات قسماً كاملاً للحديث عن النساء وحاجاتهن وكيفية التعامل معها.
امرأة تقترع داخل ثانوية حارة حريك (تصوير نبيل اسماعيل- النهار)
تغيّر ملحوظ
يلاحظ اللبنانيون زيادة ملحوظة في نسبة اهتمام النساء بالانتخابات البلدية والاختيارية لناحية الترشح والتصويت وإعطاء الآراء المختلفة عبر مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها. وفي تقرير لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي بعنوان: "المرأة في الانتخابات البلدية والاختيارية 2016: نتائج وأرقام"، نُشر عام 2016، وهو العام الذي شهد آخر معركة انتخابية بلدية لبنانية، معلومات عن مشاركة المرأة في الانتخابات على صعيدي الترشح والفوز. تظهر الارقام أن عدد المرشحين المسجلين في انتخابات 2016 بلغ عموماً في كل لبنان 21932 مرشحاً ومرشحة، بينهم 1508 مرشحات، أي ما يقدّر بنسبة 6,9 في المئة فقط. وفازت النساء بـ661 مقعدًا من أصل 12139، أي ما يعادل نسبة 5,4 في المئة.
ووفق تقرير للدولية للمعلومات، نُشر في عام 2016 أيضاً، لم تكن هذه النسب عام 2016 أعلى بكثير مما شهدتْه انتخابات عام 2010، إذ بلغت نسبة المرشحات 5.6 في المئة، ونسبة الفائزات 4.69 في المئة.
وإذ شهدت الانتخابات الاختيارية فوز 57 من أصل 381 مرشّحة، فإن عدد الفائزات برئاسة البلدية لم يتخطّ السبع نساء، وأغلبهنّ جئن من خلفية وراثية أو حزبية.
وفي تقريرها الجديد الصادر في 2 أيار عن الانتخابات في محافظة جبل لبنان، التي جرت يوم الأحد، شكّلت النساء نسبة 10.8% من المرشحين، أي 783 امرأة مقابل نسبة 7.8% في عام 2016، أي 528 مرشحة.
"نقص صارخ في التمثيل"
فيوليت يوسف يوسف، وهي مرشحة عن المقعد البلدي في بلدة محمرش البترونية، تروي لـ"النهار" دوافعها لاتخاذ قرار الترشح للانتخابات البلدية رغم العوائق الكبيرة: "كانت المطالبة بخوض الانتخابات من جميع المحيطين بي لكوني أحب العمل في الشأن العام، ولأنني خضت غماره أكثر من مرة في البلدة على أكثر من صعيد: أعمال رعائية وأعمال ثقافية. وجاءني الدعم الأساسي من عائلتي الصغيرة، التي أحاطتني بدعم كبير. لقد تخيطت كل الصعاب، أبرزها التوفيق بين العمل والمنزل والعمل الاجتماعي، والتفهم من العائلة وغض النظر عن أي تقصير".
وتضيف: "المهام عندما تكون كثيرة فلا بدّ من تحمّل كلّ الصعوبات وتخطّيها، خصوصاً أن العمل في الشأن العام، ولاسيما في البلدات الصغيرة القابعة في أعالي جبال لبنان الجميلة يحتوي على الكثير من الصعاب، منها الطقس، العادات، النزوح وانقطاع الكهرباء".
وعن رأيها في تمثيل النساء في المجالس البلدية تقول: "تطالعنا الإحصاءات بأن النساء اللبنانيات يشغلن 5,4% فقط من المقاعد البلدية، وهو نقص صارخ في التمثيل، وانتقاص من قدرات المرأة. والسؤال هو: هل السبب هو رأي المرأة في العمل العام أم نتيجة حواجز راسخة في الذهنية القديمة؟ إنها المرأة التي تراقب المشهد، تعرف خفاياه، تحوي قدراته وتفهم مساراته، وعليها أن تطرق الباب. آن الأوان للمرأة اللبنانية أن تقتحم غمار المجالس البلدية وتشكّل محطة مفصلية لتعزيز دورها في صنع القرار المحلي. فالدعوة لمشاركتها أصبحت ملحّة. ويبدو واضحاً توجّه المرأة إلى الاهتمام بما يحمل إفادة للأبناء والنساء، وهذا ما يتخطاه الرجال عادة على حساب مشاريع أخرى".
هل واجهت صعوبات محدّدة بسبب كونكِ امرأة ترشّحت للعمل البلدي؟ تجيب يوسف بأنها "ابنة البترون"، وتربّت في بيئة تحتضن المرأة وتدللها. "جداتنا وأمهاتنا هن أساس عتبة البيت، يشاركن الأجداد والآباء في البنيان والعمران وتطوير الأسرة ورعاية الأبناء. وكانت المطالبة من الجميع بالترشّح وخوض غمار الشأن العام؛ والاعتراضات وإن أتت تكون من الجهة المنافسة في إطار التنافس، وليس لكوني امرأة".

اقتراع في جل الديب بمحافظة جبل لبنان (تصوير نبيل اسماعيل- النهار)
"مشروع سلمة"
في خطوة تهدف إلى تعزيز تمثيل المرأة في المجالس البلدية اللبنانية، أطلق برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وهيئة الأمم المتحدة للمرأة، بالتعاون مع منظمة "فيفتي- فيفتي"، وبدعم من حكومة كندا، اتفاقية "سلمة" (سوا من أجل المساواة) التي وقّعت في بيروت، وذلك من أجل زيادة تمثيل النساء بشكل ملموس في المجالس البلدية في لبنان، قبيل الانتخابات البلدية والاختيارية المرتقبة عام 2025.
وفي حديث إلى "النهار"، تفصّل جويل بو فرحات أهمية هذه الاتفاقية، وهي اتفاقية معنوية أخلاقية تسعى إلى إلزام الموقّعين بمحاولة إيصال النساء إلى المقاعد البلدية والاختيارية بنسبة 30% من المقاعد، ومحاولة أن تكون رئاسة البلدية والنيابة التابعة لها موزعة بين الجنسين.
وأتت هذه الاتفاقية، بحسب بو فرحات، كقوة ضاغطة لصالح عدم تجاهل إشراك النساء في اللوائح الانتخابية، وهي تعتبر بديلاً موقتاً عن قانون الكوتا النسائية، الذي دخل إلى عمل اللجان النيابية، ولكن لم يوقع بسبب ضيق الوقت.
وعن أهمية وجود المرأة في المجالس البلدية واعتباره ضرورة وليس حقاً لها فقط، تقول إن عبارة "وجود المرأة على اللائحة يعتبر قيمة مضافة" عبارة خاطئة. فالمرأة أولاً مكون فاعل في منطقتها؛ لذا فالواجب اليوم على المجتمع أن يدعمها للوصول. فالمرأة تسعى إلى التغيير، ولديها طبيعة عمل مختلفة عن الرجل الذي يسعى إلى السلطة إلى حدّ ما. هي تعرف حاجات كل فئات المجتمع كالعائلة، ولديها نظرة شاملة إلى مشاريع تسعى لتغطية هذه الحاجات. "المرأة موجودة وتريد التغيير، ولكن هناك مسؤولية على المجتمع لإشراكها في صنع القرارات المهمة".

اقتراع في مدينة جونية بمحافظة جبل لبنان (تصوير نبيل اسماعيل- النهار)
"اتفاقية أخلاقية"
وبالنسبة إلى الاتفاقية بذاتها، وهل هي ملزمة، تشير بو فرحات إلى أنها غير ملزمة للأطراف الموقعة لها. فهي معنوية وأخلاقية فقط، لكنها تساعد بالطبع على المزيد من الإشراك. فهناك حزب معين لم يوقع سابقاً الكوتا والاتفاقية، ولكنهم وضعوا 30 في المئة من النساء في الترشيحات.
تشرح أن الاتفاقية ترافقت مع حملة على مواقع التواصل الاجتماعي لدعم مضمون الاتفاقية. وقد تلقت الجمعية اتصالات من لوائح تتصل لتأكيد عملها بمضمون الاتفاقية رغبة في ذكرها ضمن هذه الحملة. وهناك 5 أحزاب أبدت استعدادها للالتزام بمضمون الاتفاقية في لوائحها من أصل 7 أحزاب رئيسية، هي حزب الكتائب والتيار الوطني الحر وحركة أمل والحزب الاشتراكي والتغييريون. أما حزب القوات، فهو لم يوقع، لكنه وضع هذه النسبة على اللوائح، وأعلنها في مؤتمر صحافي، مما يعني تفاعلاً ملحوظاً مع مضمونها.
وتأمل فرحات في أن "يبقى هذا الموضوع ضمن الأولويات، وأن تتضمن التعديلات على قانون الانتخابات النيابية إقرار قانون الكوتا النيابية الملزم بوجود 26 مقعداً للنساء مع 40 في المئة على اللوائح، وهو ما يسمح للمرأة بالترشح ضمن القانون وخارجه".
"ما الذي أعادك إلى البلدة؟"
"عرسال من أكبر البلدات في لبنان بمعيار المساحة، لكنها تفتقر إلى أدنى مقوّمات الحياة، مما دفعني إلى اتّخاذ خطوة الترشّح بهدف التغيير. شعرت أيضاً بأن عليّ كسر حاجز التهميش الذي تعاني منه المرأة في مجتمعنا لأسباب اجتماعية بحتة لا علاقة لها بالكفاءة". تعبّر نور الهدى بحلق عن حماستها لخوض تجربة الترشّح البلدي في بلدة عرسال التابعة لمحافظة البقاع.
تؤكّد أن تجربتها لم تخلُ من العوائق لكونها امرأة أولاً، ومتزوجة برجل من خارج البلدة ثانياً، مما جعل البعض يتساءل: ما الذي أعادك إلى البلدة؟". وتعبّر عن استيائها: "هل الزواج يلغي انتماء المرأة لبلدتها الأم. الاعتراضات بدأت من بعض أفراد عائلتي الصغيرة أولاً لكوني أماً أولاً، ولديّ مهام رعائية. لكنني في المقابل تلقيت الدعم من أشخاص آمنوا بي وبقدرتي على التغيير".
عن رأيها في واقع تمثيل المرأة في المجالس البلدية والاختيارية اللبنانية، تتحدّث بحلق لـ"النهار" عن منطقتها بعلبك-الهرمل "المهمّشة إلى حدّ كبير"، على قولها، مشيرة إلى أن وجودها يكاد يكون معدوماً في بعض البلدات. و"السبب الرئيسي يعود إلى سيطرة الذهنية العشائرية على جوانب الحياة العامة، إذ يتمّ اختزال دور المرأة في قطاعات معينة كالتعليم وتربية الأولاد وغيرها مع أنها قادرة على التغيير، بسبب نظرتها المختلفة عن نظرة الرجل، والتي تكمّل دوره أيضاً، الاختلاف في النظرات قد يكون مصدر قوة وتوازن".
ورغم التقدّم المحدود الذي تحقّق في العقود الأخيرة، فلا تزال مشاركة النساء في الانتخابات البلدية في لبنان تعكس واقعًا من التهميش السياسي والاجتماعي، إذ تبقى النسب خجولة مقارنةً بحجم الكفاءات النسائية وعدد المقترعات.
وبينما تشكّل المجالس البلدية ساحة أولى وأساسية لممارسة الديموقراطية المحلية، لا يزال غياب النساء عن مواقع القرار فيها يفضح خللاً عميقاً في البنية التمثيلية.
0 تعليق