بين أزمة رسوم ترامب الجمركية وأزمتي 2008 وكوفيد-19... ما الفارق؟ - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
بين أزمة رسوم ترامب الجمركية وأزمتي 2008 وكوفيد-19... ما الفارق؟ - تكنو بلس, اليوم الثلاثاء 6 مايو 2025 12:26 مساءً

عادةً ما يتم تعريف الأزمات الاقتصادية بحالة التدهور الكامل لمختلف القطاعات الاقتصادية في دولة أو مجموعة من الدول بشكل مفاجئ، مما يؤدّي إلى حالة من عدم التوازن في العناصر الاقتصادية الأساسية كالعرض والطلب، والأسعار والمنافسة؛ ويمكن وصفها أيضاً بأنها حالة من الانخفاض المستمرّ في قيمة الأصول بشكل غير مسبوق. أما مصطلح الأزمة المالية فيُشير إلى مجموعة من المشاكل والاضطرابات التي قد تُصيب القطاع المالي للدولة، وما يشمله من مؤسسات مصرفية ومالية مختلفة، مما يعني وجود أزمة مالية. ونستنتج من التعريف السابق أن الأزمات الاقتصادية قد تسبقها أزمة مالية، تؤدي في كثير من الأحيان إلى حالات من الركود الاقتصادي.


وفي هذا السياق، كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد أشار في كلمته أمام الكونغرس، بتاريخ 5 مارس 2025، إلى عودة الولايات المتحدة  America is Back، وتطرّق إلى فرض دول عديدة تعريفات جمركية مرتفعة على وارداتها من البضائع الأميركية. وبناء على ذلك، قرّر الرئيس الأميركي، بتاريخ 3 أبريل 2025، فرض تعريفات جمركية على 180 بلداً ومنطقة في العالم. ومنذ ذلك التاريخ دخل العالم في حرب تجارية قاسية بفرض رسوم ورسوم مضادة رغم قيام الرئيس ترامب بإعطاء فترة سماح 90 يوماً لبعض الدول. ولكن هذا القرار المنفرد لم يطمئن الدول والاقتصادات التي بدأت في البحث عن أسواق أو تكتلات جديدة لصادراتها أو وارداتها.


إن هناك من يعتقد بأن أزمة اقتصادية قد بدأت في الظهور على الساحة العالمية؛ فالعلاقة العكسية بين التعريفة والعجز المالي تحمل في طياتها نتائج مضرّة للاقتصاد الكليّ، منها ظهور الضغوط التضخميّة، وخفض الإنتاجية، وزيادة في عوامل عدم التأكد، وارتفاع في معدل البطالة وأسعار الفائدة، واحتمال الدخول في مرحلة كساد. وفي ظلّ هذه الآلية لعمل التعريفة ستنتج نتيجتان سلبيّتان أساسيّتان: أولاً، ارتفاع معدّل التضخّم المحليّ في الولايات المتحدة، من خلال ارتفاع تكلفة المدخلات المستوردة المستخدمة في إنتاج السلع الأميركية المصدّرة. وثانياً: خفض الإنتاجية والدخل الحقيقي.

 

وتأسيساً على ما تقدّم، خفض صندوق النقد الدولي، خلال اجتماعات الربيع 2025، من توقّعاته لنمو الاقتصاد العالمي، مشيراً إلى أنه من المتوقع أن يكون للتصاعد السريع في التوترات التجارية والارتفاع الحاد في مستويات عدم اليقين بشأن السياسات أثر هائل على النشاط الاقتصادي العالمي. وحسب التنبؤات المرجعية، بناء على المعلومات المتاحة حتى 4 إبريل 2025، توقع الصندوق أن ينخفض النمو العالمي إلى 2.8%، في عام 2025، وإلى 3% في 2026، مقابل نسبة نمو 3.3% للعامين، حسبما كان متوقعاً سابقاً في عدد يناير 2025 من إصداره "آفاق الاقتصاد العالمي". 


بالعودة إلى أزمتي 2008 وأزمة كورونا، فقد كانت الأزمة المالية لعام 2008، أو الأزمة المالية العالمية، واحدة من أسوأ فترات الانكماش الاقتصادي في التاريخ الحديث، والتي كانت بسبب انهيار سوق الإسكان في الولايات المتحدة، وتخفيف القيود التنظيمية للمؤسسات المالية، والإفراط في المخاطرة من قبل البنوك والمستثمرين، ثم الفشل المالي اللاحق للمؤسسات المالية الكبرى. وقد كان للأزمة المالية آنذاك آثار بعيدة المدى على الاقتصاد العالمي، إذ عانى العديد من الدول من ركود اقتصادي استمر لعدة سنوات. 


نتيجة لذلك، استجابت الحكومة الأميركية للأزمة المالية لعام 2008، وكذلك استجاب الكثير من الدول حول العالم لتداعيات تلك الأزمة الحادة من خلال توفير عمليات إنقاذ مالية للمؤسسات المالية الكبرى المعرضة لخطر الفشل، وبوساطة عمليات التيسير المالي وأموال المروحة Helicopter Money، وعمليات التيسير النقدي Quantitative Easing، التي قام بها الكثير من البنوك المركزية حول العالم. وقد تم القيام بذلك لمنع انهيار النظام المالي العالمي على طريقة الدومينوز.

 

من جانبها أحدثت جائحة كورونا موجات من الصدمات التي اجتاحت الاقتصاد العالمي، وتسببت بأكبر أزمة اقتصادية عالمية فيما يزيد على قرن من الزمان. وأدت هذه الأزمة إلى زيادة حادة في عدم المساواة في داخل البلدان وفي ما بينها. وكانت الآثار الاقتصادية للجائحة بالغة الحدّة في الاقتصادات الصاعدة، حيث كشفت حالات فقدان الدخل الناجمة عنها عن أوجه الهشاشة الاقتصادية التي كانت قائمة من قبل، بل زادت من تفاقمها، كما أثرت الأزمة تأثيراً حاداً على معدلات الفقر وعدم المساواة على مستوى العالم، حيث ارتفع معدل الفقر العالمي لأول مرة منذ جيل كامل، وأدّت حالات فقدان الدخل غير المتناسبة في ما بين الفئات المحرومة إلى ارتفاع كبير في عدم المساواة في داخل البلدان وفي ما بينها.

 

كذلك، وكما في الأزمة المالية 2008، قوبلت تلك الأزمة -جائحة كورونا– على مستوى دول العالم مجتمعة باستجابة كبيرة وحاسمة على صعيد السياسات الاقتصادية وتيسير السياسة النقدية، وكُلّلت بالنجاح بصفة عامة في التخفيف من حدّة أسوأ التكاليف البشرية للجائحة على المدى القصير. ومع ذلك، أوجدت الاستجابة لهذه الحالة الطارئة أيضاً مخاطر جديدة، مثل الزيادة الهائلة في مستويات الدين العام والخاص في الاقتصاد العالمي، التي قد تشكّل خطراً على تحقيق تعافٍ منصف من الأزمة ما لم يتمّ التصدّي لها على نحو حاسم.

 

صورة تعبيرية (وكالات)

 

 

ولكن، استناداً إلى ما سبق من مقارنة، يمكن القول بأن الخلاف الأساسي أو الفارق الجوهري بين الأزمتين سالفتي الذكر، وأزمة الرسوم الجمركية والحرب التجارية الضارية القائمة حالياً -وقد تمتد آثارها على المدى المتوسط– لا يكمن فقط في الأسباب والآثار، وإنما في المعالجات. فالأزمة التجارية هي خيار دولة، وقرار رئيس (مع عدم الدخول في أحقية هذا القرار من عدمه)، في حين أن الأزمتين السابقتين جاءتا في الأولى منهما نتيجة سوء تنظيم وسياسات مصرفية ومالية تتسم بالمخاطرة والجشع مع تراخي في المراقبة الصارمة والدقيقة، والثانية جراء أزمة صحية عالمية انعكست آثارها على الاقتصادات والأسواق التي أصابها الشلل والركود. وقد تم علاج الأزمتين بتكاتف دولي كبير وتعاون في بعض الأحيان بخلاف ما هو حاصل في الأزمة الراهنة، حيث تبحث كل دولة عن مصالحها الاقتصادية والمالية أو من خلال تجمعات إقليمية؛ ولا يخلو الأمر من التقارب وفق إيدولوجيات فكريّة معيّنة. فالقرار الدولي الآن هو قرار دولة، وقرار رئيس، يمكن بموجبه تخفيف حدّة التوتر وعودة الاقتصاد العالمي إلى حالة من الهدوء ليستكمل نموه المستدام.

 

فبعد أن كان العالم قد بدأ بالتعافي من أزمات سابقة، ها هو يدخل في أزمة جديدة هي حرب الرسوم الجمركية بين الولايات المتحدة والصين وبعض الدول الأخرى. إن معالجة مثل هذه القضايا لا ينبغي أن تتم من خلال التصعيد أو اللجوء إلى سياسة العقوبات، بل عبر اعتماد الحوار، والتراضي بدلاً من اتخاذ إجراءات انتقامية أو الدخول في مواجهات مباشرة.

**حســان خضــر خبير اقتصادي

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق