البحر الأحمر: بين التنافس الجيوسياسي وتداعياته الاقتصادية - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
البحر الأحمر: بين التنافس الجيوسياسي وتداعياته الاقتصادية - تكنو بلس, اليوم الاثنين 5 مايو 2025 09:41 صباحاً

بتول الحاج حسن 

 

 

لطالما شكّلت الممرات البحرية محاور صراع بين القوى العظمى، إذ إن البحر الأحمر يُعد اليوم من أخطر بؤر التنافس الجيوسياسي، كونه يربط بين المحيط الهندي والبحر المتوسط، ويمنح الدول المطلة عليه موقعاً استراتيجياً يتحكم بحركة التجارة العالمية، ولا سيما منها تجارة النفط والطاقة.
ما يجري في البحر الأحمر اليوم ليس مجرد انتشار عسكري، بل هو إعادة رسم لخرائط النفوذ الدولي، إذ تتنافس الولايات المتحدة، الصين، روسيا، وفرنسا على الحضور العسكري والاقتصادي.  الولايات المتحدة تركز على حماية مصالحها وتحالفاتها، في حين تستخدم الصين مشروع"“الحزام والطريق"  لتعزيز نفوذها، وتعيد روسيا موطئ قدم لها في السودان، بينما تسعى فرنسا الى تأمين خطوط الملاحة.
في هذا الإطار، تُعد جيبوتي نقطة ارتكاز استراتيجية بسبب موقعها عند مدخل البحر الأحمر، إذ تستضيف قواعد عسكرية للقوى الكبرى، منها الولايات المتحدة، الصين، فرنسا، واليابان.  تبرز جيبوتي كمركز لوجستي، ما يجعل السيطرة عليها ضرورية للقوى المتنافسة رغم التوترات المتزايدة.
السودان بدوره أصبح ساحة صراع بين أميركا وروسيا، إذ وافق على إقامة قاعدة روسية في بورتسودان، وهو ما اعتبرته واشنطن تحدياً كبيراً لمصالحها.  روسيا استغلت اضطرابات السودان لتعزيز وجودها من دون شروط، مما قد يدفع الولايات المتحدة الى تكثيف الضغط الاقتصادي والتعاون الأمني مع دول مجاورة.
الحوثيون كذلك أصبحوا لاعباً غير تقليدي، إذ تستهدف هجماتهم السفن المرتبطة بأميركا وإسرائيل، في سياق "حروب الوكلاء" الإيرانية. هذه الهجمات تُستخدم لتبرير الوجود العسكري المتزايد في المنطقة، على غرار التدخل الأميركي في "حرب الناقلات" إبان الثمانينات.
أما إريتريا، فرغم صغر حجمها، تلعب دوراً بارزاً من خلال استضافة قاعدة إماراتية في ميناء عصب. فهي  تتبع سياسة براغماتية، وتعقد شراكات من دون انحياز.  ومصر تدير توازنها بين القوى الكبرى بعلاقات أمنية مع واشنطن وتعاون عسكري مع موسكو، وتحافظ على استقرار قناة السويس ممراً حيوياً.
التوترات في البحر الأحمر أثرت على التجارة العالمية، إذ أدت هجمات الحوثيين إلى ارتفاع أكلاف الشحن والتأمين.  شركات كبرى مثل "ميرسك"  و"هاباج لويد" غيّرت مساراتها إلى رأس الرجاء الصالح، مما زاد من أكلاف النقل ومدته.  ارتفع مؤشر نقل الحاويات من 1521  دولاراً في ديسمبر 2023  إلى 3777  دولاراً في يناير 2024، وارتفعت أقساط التأمين من 0.6% إلى 2%  من قيمة البضائع.
هذا التحول أثّر على التجارة البحرية العالمية، فانخفضت بنسبة 1.3%  بين نوفمبر وديسمبر 2023، وغيّرت 30%  من سفن الحاويات مساراتها. تضررت اقتصادات كبرى، منها الصين التي تمر 95%  من صادراتها عبر البحر الأحمر، والهند بنسبة 80%، ما جعلها عرضة لصدمات اقتصادية.  كذلك ارتفعت أسعار الطاقة والسلع، وتوقف إنتاج شركات مثل "تيسلا" و"فولفو" في أوروبا.
المضائق البحرية مثل باب المندب وقناة السويس تُعد شرايين أساسية للاقتصاد العالمي، وقد أثّرت التوترات على حركة الملاحة. أُغلق باب المندب في أزمات سابقة كورقة ضغط، وتراجعت حركة العبور في قناة السويس بنسبة 50%، ما خفّض إيراداتها 7  مليارات دولار عام 2024  وقدمت مصر حوافز للحفاظ على موقعها كممر تجاري عالمي، لكن التوترات رفعت أكلاف السلع وأثّرت على التضخم.
أما مستقبل البحر الأحمر، فيراوح بين سيناريوهات عدة : أولًا، تعاون إقليمي بين دول مثل السعودية ومصر قد يعزز الاستقرار ويزيد الإيرادات. ثانياً، استمرار التصعيد العسكري قد يزيد التكلفة على التجارة العالمية. ثالثاً، تسوية إقليمية بضغط اقتصادي قد تعيد الاستقرار. رابعاً، استمرار الصين في تعزيز نفوذها عبر استثمارات في الموانئ.  وخامساً، بقاء الوضع كما هو مع استمرار التأثير الاقتصادي من دون تصعيد عسكري كبير.
ختاماً، يشكل البحر الأحمر نموذجاً معقداً لتقاطع المصالح الجيوسياسية والاقتصادية. والانتشار العسكري فيه والمنافسة الاقتصادية يعكسان هشاشة التوازنات في المنطقة. وفي غياب تعاون إقليمي موحد، يبقى البحر الأحمر ساحة تجاذبات دولية، ومستقبله مرهون بقدرة الأطراف على تحويله إلى فضاء للتعاون لا للمواجهة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق