شهدت الساعات الماضية، أزمة دبلوماسية غير مسبوقة بين الجزائر ودولة الإمارات العربية المتحدة، بعد بثّ وسائل إعلام إماراتية حوارًا مع مؤرخ جزائري أثار  جدلًا واسعًا بشأن الهوية الأمازيغية في شمال إفريقيا.

أنكر المؤرخ الجزائري خلال اللقاء وجود هوية أمازيغية مستقلة، واعتبر أن البربر هم “عرب قدماء من أصول فينيقية”، مشيرًا إلى أن الأمازيغية “صنيعة فرنسية‑صهيونية هدفها ضرب الوحدة الوطنية الجزائرية”.

هذه التصريحات وُصفت من قِبَل الإعلام الرسمي الجزائري بأنها “إهانة للشعب الجزائري بأكمله”، واعتُبرت تطاولًا مباشرًا على أحد أهم مكونات الهوية الوطنية التي يكفلها الدستور.

 الجزائر ترد بلهجة غاضبة على الإمارات

لم تمرّ ساعات على بثّ الحلقة حتى جاء الرد الرسمي من المؤسسة العمومية للتلفزيون الجزائري، التي شنت هجومًا لاذعًا على الإمارات.

وقال البيان، إن “الجزائر التي دفعت ملايين الشهداء دفاعًا عن هويتها وسيادتها لن تغفر المساس بثوابتها. والردّ سيكون صاعًا بصاعين، بل أشد”.

تصعيد دبلوماسي من الجزائر ضد الإمارات

تبع ذلك تصعيد دبلوماسي مباشر، إذ استدعت الجزائر سفير الإمارات لدى الجزائر لإبلاغه احتجاجًا رسميًا، وطالبت بتوضيحات حول السماح ببثّ تصريحات “تمسّ أحد أعمدة الوحدة الوطنية الجزائرية”، بحسب مصادر دبلوماسية.

وفي الوقت ذاته، نفت وزارة الخارجية الجزائرية نية طرد السفير الإماراتي، مشددة على أن علاقات البلدين متميزة وراسخة”، في محاولة لاحتواء الموقف دون إغلاق أبواب الحوار.

 الأمازيغ وأزمة الهوية بين الجزائر والإمارات

تكشف الأزمة الأخيرة بين الجزائر والإمارات عن حساسية ملف الهوية في الجزائر، وخصوصًا عندما يتعلق الأمر بالأمازيغية، التي تمثل بالنسبة للكثيرين ليس فقط مكوّنًا ثقافيًا، بل ركيزة أساسية من ركائز وحدة الدولة وتاريخها.

وبينما يرى مراقبون أن التصريحات التي بثّتها القناة الإماراتية لم تكن محض اجتهاد فردي، بل قد تعكس فهمًا سياسيًا مغلوطًا لتعقيدات المجتمع الجزائري، فإن الغضب الشعبي والرسمي الذي أعقبها يبعث برسالة واضحة: لا مجال للمساس بالثوابت الوطنية، لا من الداخل ولا من الخارج.

من هم الأمازيغ؟

الأمازيغ، أو “إيمازيغن” كما يُسمّون في لغتهم الأصلية، هم السكان الأصليون لشمال إفريقيا، وتعود جذورهم إلى آلاف السنين قبل الميلاد. يمتد حضورهم الجغرافي من واحة سيوة في مصر شرقًا إلى سواحل المحيط الأطلسي غربًا، ومن البحر الأبيض المتوسط شمالًا إلى أعماق الصحراء الكبرى جنوبًا.

في الجزائر، ينتشر الأمازيغ في عدة مناطق، أبرزها منطقة القبائل (تيزي وزو، بجاية)، الأوراس (باتنة وخنشلة)، وادي ميزاب (غرداية)، فضلاً عن طوارق الجنوب في تمنراست وجانت.

ورغم تنوّع لهجاتهم (القبائلية، الشاوية، الميزابية، التارقية)، فإنهم يجمعهم اللسان الأمازيغي والهوية الثقافية المتجذّرة.

دور الأمازيغ في تاريخ الجزائر

بحسب وسائل إعلام جزائرية، للأمازيغ إسهامات بارزة في تاريخ الجزائر السياسي والمقاوم. فقد شكّلوا نواة المقاومة ضد الاحتلال الفرنسي منذ بداياته، وبرزت شخصيات ثورية مثل حسين آيت أحمد ومصالي الحاج وكريم بلقاسم كقادة وطنيين من أصول أمازيغية.

خلال الثورة التحريرية (1954–1962)، لم تكن الهوية الأمازيغية حاجزًا أمام الانخراط في النضال، بل شكلت رافدًا من روافد المقاومة. وبعد الاستقلال، خاضت الحركة الأمازيغية صراعات طويلة من أجل الاعتراف بحقوقها اللغوية والثقافية، خاصة في ظل السياسات التي تبنّت تعريبًا شاملًا لمؤسسات الدولة.

انتصارات دستورية للأمازيغ في الجزائر

بدأ الاعتراف الرسمي بالأمازيغية في الجزائر تدريجيًا، حيث تم ترسيم اللغة الأمازيغية لغة وطنية عام 2002، ثم كلغة رسمية إلى جانب العربية في تعديل دستوري عام 2016. كما أنشأت الدولة “المحافظة السامية للأمازيغية” لتعزيز تدريس اللغة وتوثيق التراث.

غير أن التطبيق الميداني لا يزال يواجه تحديات، منها ضعف تدريس الأمازيغية في المدارس، ورفض البرلمان في 2017 مشروع تعميمها على كافة الولايات، ما أثار موجة احتجاجات في منطقة القبائل ومناطق أخرى ذات أغلبية أمازيغية.

في خطوة رمزية هامة، أعلن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عام 2018 أن يوم 12 يناير (رأس السنة الأمازيغية، “ينّاير”) عطلة وطنية رسمية، وهو ما اعتُبر اعترافًا بمكانة الأمازيغية ضمن الهوية الجماعية للجزائريين.

اقرا أيضًا: يحتفلون بالعام 2975.. ما علاقة الفراعنة برأس السنة الأمازيغية؟

نسخ الرابط تم نسخ الرابط