الرقص الشرقي تحت سيطرة الجسد الغربي - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الرقص الشرقي تحت سيطرة الجسد الغربي - تكنو بلس, اليوم الجمعة 2 مايو 2025 06:58 صباحاً

في عام 1979، استقبلت مصر الرئيس الأميركي جيمي كارتر، وصعدت الراقصة نجوى فؤاد فوق طاولته ورقصت له، باعتبارها فقرة فلكلورية لا مثيل لها في الغرب، ولإرضاء المخيال الغربي المفتون بالجواري الراقصات وأساطير "ألف ليلة وليلة". هذا الافتتان اتخذ مسارين اثنين.

المسار الأول

منذ القرن التاسع عشر، سافرت فرق وقدمت الرقص الشرقي لجمهور غربي، وشيئًا فشيئًا زادت المعاهد التي تُعلّمه في أوروبا وأميركا، مثل مدرسة جميلة سالمبور التي أسستها في كاليفورنيا قبل أكثر من ستين عامًا. وكانت واعية بموتيفات الرقص مثل السيوف وهز البطن، وأطلقت على عرضها الدائم اسم Bal Anat، والاسم مستوحى من الإلهة الكنعانية "عناة" أو "إنانا". وقدّم العرض في العديد من دول العالم بمشاركة مئات الراقصات، لكنه ليس شرقيًا خالصًا، بل توليفة من الأيروبيك واللاتيني والفلامنكو.

في كندا، يبرز اسم الراقصة كساندرا فوكس التي تحظى بملايين المشاهدات، وتحرص على تنويع موسيقاها ما بين ألحان مصرية ومغاربية مثل "مرسول الحب". وهي تتمتع بامتلاء لافت دفع بعض المعلقين إلى وصفها بالبدانة، لكنها تتمتع بلياقة ورشاقة تفوق ما تحتاج إليه راقصة، وكأنها تؤدي تدريبات بدنية! كأنها تقدم رسالة نيابة عن الراقصات اللواتي لا يرغبن في تخسيس الوزن، بل هن متصالحات مع أجسادهن كما هي.

كما دخلت على الخط راقصات إسرائيليات مثل كوثر بن عمور، التي تقيم حفلات في مختلف بلدان العالم، وتعتمد على الموسيقى المصرية، ما قد يوهم جمهورها بأنه "رقص إسرائيلي" و"ألحان إسرائيلية"!

المسار الآخر

يتمثل في مجيء غير المصريات للعمل في الملاهي والأفلام المصرية، وغالبًا ما ينجحن في تحقيق الشهرة والثراء في وقت قياسي.

هنا تجدر الإشارة إلى أن اللبنانية بديعة مصابني هي صاحبة أول وأقدم أكاديمية لتعليم وممارسة الرقص الشرقي في القاهرة، وأستاذة أهم راقصتين: تحية كاريوكا وسامية جمال.

امتلكت بديعة كازينو باسمها، وحررت مفهوم الرقص من أداء "الغوازي" في القرن التاسع عشر، وبدل الاكتفاء بهز البطن، سعت إلى تصميم رقصات تستلهم إيقاعات غربية لضمان إقبال جنود الاحتلال الإنجليزي والجاليات الأجنبية.

أي أن تلاقي الشرق والغرب في ساحة الرقص الشرقي حدث منذ أكثر من مئة عام، ومعظم الأفلام المصرية زمن الأبيض والأسود قدمت راقصات من أصول يونانية وأرمنية وإيطالية، أشهرهن كيتي ـ ذات الأصول اليونانية ـ التي تميزت بخفة ظلها رغم اعتزالها مبكرًا وهجرتها إلى اليونان، وكان أسلوبها يمزج بين الشرقي والغربي بسلاسة. وهناك أيضًا نيللي مظلوم، يونانية الأصل، لكن أسلوبها أقرب إلى الباليه والرقص الحديث.

الصدارة للمصريات

حتى الثمانينيات من القرن الماضي، ظلت الصدارة للمصريات مع جيل لوسي وفيفي عبده، ثم دينا، لكن عوامل كثيرة أضعفت مكانة الراقصة المصرية لمصلحة الأجنبية.

أهمها العامل الاقتصادي المغري، فأجور الراقصات عالية جدًا، وكل المطلوب قوام رشيق ومهارة معقولة في تحريك الجسد. والفنان الراحل سمير صبري ـ على سبيل المثال ـ استعان في فرقته الاستعراضية بفتيات من روسيا وأوروبا الشرقية، وبعدها ظهرت واشتهرت كثيرات منهن: جوهرة (روسيا)، صافيناز (أرمينيا)، آلاء كوشنير (أوكرانيا)، التي رقصت في كليب "آه لو لعبت يا زهر"، وأخيرًا لورديانا (البرازيل). ومعظم الأجنبيات يقدمن خلطة مواصفات لا تملكها المصريات غالبًا، فهن أكثر اهتمامًا بالرشاقة وممارسة الرياضة.

يُضاف إلى ذلك "عقدة الخواجة"، والنظر إلى الغرب باعتباره النموذج الأفضل ومعيار الحكم على الأشياء، لذلك باتت الأجنبيات مرغوبات أكثر في أعراس الطبقة المخملية، وفي الملاهي والأفلام التجارية، بينما تراجع حضور المصريات إلى مستوى الأفراح الشعبية، ومعظمهن مجهولات.

كما أُشيع أن غير المصريات يسعين وراء الشهرة بالتعري وعرض أجسادهن، وعدم مراعاة الاحتشام، لكن من يرى كليبات الأفراح الشعبية يدرك أن راقصات الدرجة العاشرة هن الأكثر ابتذالًا. ومعظم الأجنبيات يدركن خطورة التجاوز في مجتمع محافظ، وسهولة فقدان ترخيص مزاولة الرقص أو الترحيل خارج البلاد.

أيضًا، علاقتهن بأجسادهن لا تنطوي على أي شعور بالذنب أو أية وصمة أخلاقية، ومن ثم هن أكثر تحررًا على المستوى النفسي خلال الأداء.

يُضاف إلى ذلك أن مزاج المجتمع المصري نفسه تغير، ومال أكثر إلى المحافظة مع انتشار تيارات الإسلام السياسي التي تحرّم الفنون، ما فرض حرجًا أخلاقيًا على الأسر التي تسمح لفتياتها بالرقص.

حساسية الرقص؟

لا ننسى أن الأفلام العاطفية والاستعراضية التي كان يقدمها فريد الأطرش وعبد الحليم حافظ ومحمد فوزي شجعت على وجود راقصات، ومع انتهاء عصر الفيلم الاستعراضي تراجعت حظوظهن في الشهرة.

أي أن هناك أسبابًا كثيرة وراء ازدهار سوق الراقصات غير المصريات، لكن هذا لا يمنع أن معظمهن لا يمتلكن حساسية الرقص ولا عفويته وارتجاله؛ فالأداء غالبًا منضبط وآلي، والأجساد رخامية رغم جمالها.

لكن بفضل وجود هؤلاء الفتيات، أصبح الرقص الشرقي فنًا عالميًا، يُؤدى بكل لغات الأجساد، وإن كان ذلك تحت سيطرة غربية وبتكنيك صارم، يختلف عن ليونة وعفوية وارتجال الجسد الشرقي.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق